قرأت خبرا كوكبيا فى جريدة «المصرى اليوم» بتاريخ 6/2/2016 مفاده أن مصر تسلمت رسمياً «لجنة مكافحة الارهاب» بمجلس الأمن الدولى فى اجتماعها بنيويورك بحضور مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عمرو أبو العطا الذى عرض رؤيته على النحو الآتى: مكافحة تمويل الارهاب، والتصدى لظاهرة قيام التنظيمات الارهابية بتجنيد مقاتلين وارسالهم للدول المختلفة. ثم استطرد قائلاً: «إن منهجنا فى مكافحة الارهاب هو منهج عملى، الغاية منه تحديد التدابير الملموسة ذات الصلة بمكافحة الارهاب».
والجدير بالتنويه أن أعضاء مجلس الأمن اختاروا مصر بالاجماع لرئاسة اللجنة التى أنشئت إثر أحداث 11/9.
والسؤال اذن: لماذا يكون الحادث الارهابى الذى وقع فى 11/9 بنيويورك وتكون مصر هى رئيسة اللجنة المكلفة بمكافحة الارهاب؟
أغلب الظن أن الجواب يكمن فى أن مصر هى مصدر الارهاب، وبالتالى تكون أوْلى من غيرها فى مكافحة الارهاب كوكبيا، ذلك أن الذين كلفوا بتدمير مركز التجارة العالمى بنيويورك هم أعضاء من الاخوان المسلمين التى تأسست فى عام 1928 وأنشأت قسماً خاصاً للاتصال بالعالم الاسلامى لنشر الدعوة.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو أفرج الضباط الأحرار عن المعتقلين من الاخوان المسلمين، وعندما صدر قانون حل الأحزاب فى 17/1/ 1953 طٌبق على الجميع باستثناء الاخوان المسلمين بدعوى أنهم جماعة وليسوا حزباً. والجدير بالتنويه أن عبد الناصر شخصياً قبل الثورة هو الذى كان يعطيهم السلاح ويدربهم عسكرياً لارسالهم إلى فلسطين للاشتراك فى حرب 1948. ومع ذلك فقد حاول عضو بالجماعة اغتيال عبد الناصر بأن أطلق عليه رصاصات فى 26 أكتوبر 1954، إلا أن عبد الناصر لم يصب بشىء.
وفى عام 1964 صدر كتاب سيد قطب المعنون “ معالم فى الطريق”. وفيه الحاكمية الفكرة المحورية التى تعنى أن يكون كوكب الأرض محكوماً بسلطة اسلامية لا تنازعها أية سلطة أخرى ليتم الانتقال من الجاهلية إلى الاسلام، وأن تصبح الحياة كلها تطبيقاً للاسلام ومن ثم يعود البشر إلى حكم الله، وأن كل مَنْ ينازع حق الله فى الحاكمية وفى تنحية شريعة الله لتكون جهة أخرى غير الله هى مصدر السلطة فانه يُتهم فى البداية بالكفر، وإذا عاند فانه فى النهاية يحكم عليه بالقتل.
وتأسيساً على مفهوم الحاكمية عُقد مؤتمر للجمعيات والجماعات الإسلامية برئاسة فضيلة الامام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود الذى كان قد أصدر بياناً جاء فيه “ أن كل التشريعات وكل الأحكام التى تتعارض مع الاسلام تعتبر زائفة”. وإثر انتهاء المؤتمر بدأ مجلس الدولة فى إعداد مشروع القانون.
ويترتب على ذلك كله أسلمة كوكب الأرض استناداً إلى أصولية إسلامية والارهاب أعلى مراحلها، وتكون جماعة الاخوان المسلمين هى الداعية إلى هذه الأسلمة. ومن هنا يكون قول السفير عمرو أبو العطا بأن منهجه عملى فى مكافحة الارهاب فى حاجة إلى إعادة نظر من حيث إن هذا المنهج ينبغى أن يسبقه تأصيل نظرى لكى يكون دليلاً ومرشداً، ومن غير ذلك فإن القول بمكافحة الارهاب مجرد شعار. وإذا قيل رداً على ذلك بأن مسألة الارهاب الكوكبى لا تحتمل إضاعة الوقت فى التنظير فإن هذا القول لن يكون إلا مجرد تغطية على العجز فى التنظير.
وإذا كان التنظير ضرورياً فثمة أسئلة الاجابة عنها تعتبر مقدمات ضرورية لكل مَنْ يريد القضاء على الارهاب: هل الاخوان المسلمون جزء من التراث أم هل هم التراث؟ وفى صياغة أخرى: إذا كان فكر ابن تيمية هو تراثهم فهل يمكن اعتبار فكر ابن رشد تراثاً مغايراً يمكن الاستعانة به بديلاً عن تراث ابن تيمية؟
إذا كان جواب الاخوان المسلمين أنهم جزء من التراث فيلزم أن ينصتوا إلى الجزء الآخر ويدخلوا معه فى حوار ينتهى بهم بالضرورة إلى أن تفكيرهم نسبى، ومن ثم يكونون ملزمين بتبنى الفكر العلمانى الذى يقف عند حد ما هو نسبى ولا يتجاوزه إلى ما هو مطلق من غير نفيه ولكن أيضاً من غير قنصه.
أما إذا كان جواب الاخوان المسلمين أنهم هم التراث فإنهم فى هذه الحالة يكونون ملاكاً للحقيقة المطلقة، ومن ثم ينتهون إلى اشعال الارهاب. وعندئذ يثور السؤال العملى: كيف يكون التعامل معهم؟ هل يكون التعامل معهم محصوراً بين أن نكون أو لا نكون؟ وإذا كان ذلك كذلك يكون هذا السؤال هو سؤال عن مصير البشرية على كوكب الأرض. وإذا لم يكن كذلك فهل يمكن التعايش بين الذين يملكون الحقيقة المطلقة وبين الذين لا يملكونها؟ أو فى صياغة أخرى: هل يمكن التعايش بين المطلق والنسبى؟ تاريخياً الجواب بالنفى. وفى هذا المعنى يمكن تذكر ما حدث فى ايران فى عام 1951 عندما قُتل رئيس وزراء الشاه رزم آراه من قبل عضو فى «فدائيان اسلام» عندما أصدر آية الله كاشانى الزعيم الروحى فى زمانه بياناً جاء فيه «أن الرصاصات التى قتلت رزم آراه كانت مصحوبة بتوفيق الله». ومعنى ذلك أن القتل باسم الله مشروع ولازم.
وثمة مقدمات أخرى ضرورية عندما أثار السفير عمرو أبو العطا مكافحة تمويل الارهاب وهى أن ثمة علاقة عضوية بين الأصولية الاسلامية والرأسمالية الطفيلية التى تتاجر فى غير المشروع مثل الاتجار فى المخدرات، وأن هذه الرأسمالية قد تغلغلت هى والأصولية فى مؤسسات الدول بحيث تشابكت مع الرأسمالية العالمية.
والسؤال اذن: كيف نجهز على الرأسمالية الطفيلية وهى فى حالة تشابك مع الرأسمالية العالمية؟
والمفارقة بعد ذلك هى أن الارهاب كوكبى ومصر هى المصدر ومكافحته فى مكان آخر غير مصر!!