الأهرام
أنور عبد اللطيف
ماذا تقول ساعة البرلمان المعطلة للرئيس ؟!
ساعة الحائط بمجلس النواب التى كان يقف تحتها الرئيس السيسى أثناء إلقائه خطابه الأول أمام البرلمان فى الحادية عشرة صباح السبت الماضى كانت هذه الساعة أصدق تعبيرعن حال، هذا المجلس. فهو من حيث الشكل يعتبر حتى الآن أعدل مجلس فى تاريخ هذه الأمة، أما من حيث الموضوع فما زالت المناقشات بين أعضائه حول مشروع لائحته الداخلية تتجه النوايا لوضعها على قديمه! والساعة المعلقة أيضا من حيث الشكل موجودة كوسيلة لضبط مواعيد ومدة الجلسات لكنها من حيث الموضوع كانت متوقفة على الرابعة والثلث ربما على قديمه منذ سنوات!

أجريت على المبنى التجديدات، والتحسينات والتلميعات وطالت قاعاته وحوائطه وأساساته من الداخل والخارج فبدا قشيبا لائقا بالمناسبة والمرحلة كأنظف وأهم مكان فى مصر، وتحت هذه القبة أعلى سلطة مصرية ممثلة فى نواب الشعب، وتم انتخاب أعضائه بعد أنظف عملية انتخابية على مدى أربعين سنة، ورغم كل ما أنفق على التجديد من أموال تخطت الملايين ظلت الساعة من حيث الموضوع على حالها متوقفة ومعطلة لم يلتفت إليها أحد وهى تحتاج فقط إلى «حجرين» لا يزيد ثمنهما عن خمسة جنيهات!

ربما لم ينظر إليها أحد لأن النواب كانوا منهمكين فى مناقشات إعداد لائحته الداخلية التى تضمن سلامة الأداء وقواعد المحاسبة وعدالة تشكيلها ومعايير اختيار رؤساء اللجان وصدق تمثيلها للخبرات، هكذا قلت لمحدثى «خبيث النية سوداوى الطوية» الذى فاجأنى برد ساحق ماحق قائلا: بل السبب فى التليفون المحمول الذى ألهى الأعضاء عن أربعة، عن ساعة اليد وعن الكاميرا وعن التسجيل، قاطعته: كل الناس تشترك فى هذا، ولكن ماالرابعة؟! فرد: هذا المحمول أو الآى فون ألهى أعضاء المجلس عن متابعة ملل الجلسات وطول المداخلات وتفاهة بعض التعليقات والمقاطعات، كما تفرغ بعض النواب للإدلاء بأحاديث صحفية من داخل الجلسات حتى لا يحرم من الوجود على موائد النميمة الفضائية التى تقتحم كل بيت بلا استئذان، والأخطر أن بعضهم يدير أعماله ويتابع شركاته التى تنازل عن إدارتها شكلا لكنه من حيث الموضوع يديرهامن داخل البرلمان بالصوت والصورة!

قلت: ولماذا لا يوجد نص فى مشروع اللائحة يمنع اصطحاب التليفون المحمول داخل الجلسات، ولماذا لا تستحدث اللائحة من البنود ما يحول الجلسات إلى عبادة ينقطع النائب عن كل شيئ خلالها بحيث تستغرق كل وقته وتفكيره وحواسه، لتكون الأذهان فى حالة تركيز والمناقشات سليمة وفى صلب الموضوع ولإضفاء القداسة على العمل البرلمانى، ويطبق العضو تفرغه الحقيقى وليس الشكلى؟

قال: لقد طالب أحد الأعضاء واسمه سيد حجازى وهو من الوجوه الجديدة المتحمسين للتجربة البرلمانية، طالب بأن يكون هناك زى موحد لأعضاء البرلمان يمنع التشتت والفوضى والتفاوت الكبير والتناقض أحيانا الذى يظهر به العضو داخل المجلس، فبعض النائبات يظهرن فى يوم بالكاجوال والجينز، وفى اليوم الثانى يحضرن الجلسات بفستان سواريه كأنها فى سهرة فنية أو حفل زواج، وبعض النواب يحضر يوما بالزى الشعبى ويوما آخر ببدلة آخرموديل وساعة مرصعة بالاحجار ومشابك ذهبية.. وأحد الأعضاء ظهر صباحا بالبدلة الرسمية، وفى المساء حضر الجلسة بـ «الترننج سوت» ..أمنت على كلامه: وقلت بالفعل هذا وإن كان إجراء شكليا لكنه يصب فى جوهر هيبة النائب ومنظره واحترام العضو لـ«مهنته» الجديدة وأبسط شيء ان يرتدى روبا مميزا ولائقا كالأطباء ورجال القضاء، وخبراء المحاجر، وفى ألمانيا يلزم الدستور «البوندستاج» بدفع مرتبات ثلاثة مساعدين لنائب البرلمان ومرتب إثنين لنائب الولاية، لتحسين ادائه ورعاية الدائرة، قال: لا تحدثنى عن التفرغ فقد حولته الممارسات مثل الساعة إلى مجرد منظر على الحائط فرغم أن الدستور اشترط أن يستقيل العضو من رئاسة الشركات والهيئات والمؤسسات حتى يتفرغ للعمل البرلمانى ولمنع تعارض المصالح، ظهر من حيث الموضوع ما يسمى بـ «الخيار والفقوس» وما يسمى أيضا بتكامل المصالح!.. قلت: أرجوك اشرح؟، قال: إن بند التفرغ طبق على الموظفين والوزراء أو رؤساء الجامعات أو رؤساء المؤسسات، لكنه لم يطبق على رؤساء الأندية أو رؤساء القنوات الفضائية أو الأعمال الخاصة البعيدة عن الأضواء، فالدستور نص على التفرغ الكامل ولم يستثن جهات بعينها، وكانت النتيجة ان العضو يستقوى بالحصانة على أدائه خارج البرلمان فى النادى أو الشركة أو العزبة، بتصريحات وألفاظ لا تليق بمواطن عادى، وبدلا من أن تكون العضوية سببا فى كبح جماح سلوكياته، تكون مجرد غطاء لمزيد من البلطجة والانفلات السلوكى، فكان من الطبيعى أن يتداول الناس فيديو لنائب يسب ويشتم باقذع الألفاظ وأفجر العبارات مدرب شابا بالأب وبالأم ويتهمه بالشذوذ والانحراف فى تصريحات إعلامية من داخل البهو الفرعونى فى مبنى مجلس النواب!ـ

ـ وماذا عن تكامل المصالح ؟

قال محدثى الخبير: معظم الأعضاء رؤساء الشركات الخاصة يتنازلون عن مناصبهم لأبنائهم أو زوجاتهم أو إخواتهم، وبالتالى يكون التنازل مجرد «تستيف اوراق» مثل الشهادات الطبية المضروبة المنتشرة لاستخراج رخصة أو لإثبات جريمة، فلا ينتفى بها مصلحة العضو فى عضوية لجنة أو استصدار قانون لمصلحة شركاته، مثل قانون الاحتكار الذى استصدره «عز» لضمان تكويشه على صناعة الحديد، وللأسف فإن وجوده خارج البرلمان الآن أخطر على الممارسة الديمقراطية من وجوده داخل البرلمان، فكما أن هناك مجموعة نواب يسمون «يتامى الإخوان» هناك أيضا مافيا«عز» الناطقة باسمه والراعى الرسمى لمصالحه، وبناء عليه ..لابد من إعادة النظر فى زيادة عدد اللجان والاستفادة الكاملة من الخبرات فى مناقشة مشروع اللائحة التى تراعى أن نزاهة البرلمان من نزاهة النائب!

ـ وماذا تتخيل أن تقول ساعة البرلمان المعطلة للرئيس؟

ـ الرئيس أعاد سلطة التشريع للبرلمان فى الصباح والبرلمان بساعته يعيش فى مساء عصر مضى، ومازال أمامه وقت لكى يعيش زمنه باجتياز اختبار اللائحة ليثبت أنه جدير بتحمل تبعات عصر جديد ومسئولياته !
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف