الأهرام
عبد الجليل الشرنوبى
الخارجية حين تطلب الدعم من المتربص!
على خشبة المسرح العالمى مُخْرِجٌ أمريكى يظن أنه الوحيد المسيطر، ويتوهم بفعل الهيمنة الاقتصادية، والعولمة الثقافية، والقواعد العسكرية، أن عليه أن يرسم الخطوات للعالم، وعلى كل مكونات هذا الأخير أن تستجيب.

وفى الحالة المصرية اصطدم المُخْرِج الأمريكى بندٍ قديم فى أصالته، وعريق فى تمسكه بأرضه وهويته، وعنيد فى مواجهة الجوع أمام محتليه، هذا الند تجسد فى إرادة شعبية، خلفت تماهياً بين الشعب المصرى ومؤسساته كلها، لتنجب ثورة (30يونيو 2013م)، ليسقط التنظيم الإخوانى ومندوب حكمه، ولتسترد مصر من جديد وعياً مدنياً وطنياً جمعياً هتف فى ثورة 1919م، (تحيا مصر حرة مستقلة). كان الشعب المصرى هو الند الذى لم تستطع هيمنة ثقافة العولمة الأمريكية، أن تذوب علاقته بوطنه، أو أن تؤلب بدافع دينى أو عرقى أو طائفى مكونات هذا الوطن على بعضها. وحيث إن كاتب هذه السطور، يسعى لتكون كلماته معبرة عن واقع الناس فى هذا الوطن، أملاً فى أن ينعكس ذلك على أداءات متصدرى المشهد الحالي، فإننى أختلف مع السفير «سامح شكري» وزير الخارجية، حين صرح فى مؤتمر صحفى عقده مع نظيره الأمريكى جون كيرى بواشنطن قائلاً (إن الحكومة المصرية تطلب دعم شركائها وأصدقائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية كى تمر مصر من الفترة الانتقالية بنجاح). وسر الاختلاف مع وزير الخارجية يعود إلى إن هكذا مطالبه، يمكن أن تكون مقبولة حين توجه لدولة تقف على الحياد فى معركة استقلال وطن وبناء دولة، لكن الأداءات الأمريكية خلال الفترة بعد ثورة 30 يونيو وحتى الآن، تؤكد أن المحددات الخاصة بالمشهد المصرى القادم، مرهونة بتحقيق الرؤية الأمريكية لمصر والتى تبلورت فى مبادرة (واشنطن بوست) التى صاغها كل من (عمرو حمزاوي) و(ميشيل ماكفول)، وتعتمد بالأساس على شطب خمس سنوات من عمر الوطن المصرى مضت، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ثورة يناير 2011م، حيث نظام يحكم بإملاءات أمريكية، وتنظيم إخوانى فى الشارع يتحكم برعاية أمريكية... وما إن أسدل ستار المشهد الأول بالمبادرة الأمريكية الجديدة، حتى انفتح من جديد الستار بعد أقل من 48 ساعة ليخرج إبراهيم منير نائب المرشد العام وعضو مكتب الإرشاد العالمى بتصريحات صحفية تمت صياغتها بدقة فى مكتب لندن، ونشرتها إحدى الوكالات المحسوبة على التنظيم. وأجلت تصريحات نائب مرشد التنظيم حقيقة السيناريو الذى خلفه تحالف (أمريكى إخواني).

فالإخوان يرون أنهم (ليسوا ضد المبادرات التى يقدمها العديد من الأطراف لإصلاح الأوضاع المتردية فى مصر)، ولكنهم يرون أنهم فى خصومة مع مصر يمكوناتها ( الرئيس- الجيش - الإعلام -المنظومة القضائية). وبالتالى لابد (أن توكل رعاية هذه المبادرة إلى الأمم المتحدة) حتى تتمكن من (إدانة ورفض) النظام المصرى الذى وصفه بـ (الانقلاب الفاشي) سعياً لـ (منعه من حضور أى مؤتمر دولى وحصاره سياسيا وإعلاميا) عبر استخدام (المنظمة الدولية لما تمتلكه من وسائل ضغط)، تؤهلها لفرض الرؤية (الأمريكية الإخوانية) على مصر بل وتطبيقها بتدخل مباشر لضمان تنفيذها (فى ظل وجود هذه الدولة العميقة التى أسقطت أول تجربة ديمقراطية فى مصر). وحال حدوث ذلك فالتنظيم الإخوانى يرى أن (منطقتنا العربية، سيأتى ربيعها قريبا). ولايفوت الإخوان تماهياً مع المشروع الأمريكي، أن يحذروا مما حذر منه حسن البنا الأمريكان، فى حواره مع مراسلهم الحربى (سبنسر) منتصف الأربعينيات، حيث اتفقت وجهة نظر التنظيم الحالية مع مؤسسه فى أن عدم التدخل الأمريكى سريعاً لفرض هذه المبادرة سيؤدى (إلى تسلل النفوذ الروسى ثم الصينى إلى المنطقة بسرعة).

وهكذا انجلى تصريح نائب مرشد التنظيم، فجلى حقيقة ما يدور فى كواليس المُخرج الأمريكي، الذى ما زال مصراً على ألا يرى مصر إلا بعيون مشروعه، وألا يتخلى عن أى من أدوات هذا المشروع، وفى مقدمتها (تنظيم الإخوان)، الذى حصل خلال الفترة الماضية على فرصته كاملاً لتنفيذ مشروع التمكين برعاية أمريكية، فلما بدد الشعب أمل التمكين فى 30 يونيو، صار البديل خطة لإرباك الدولة فإنهاكها ثم إسقاطها، وكان الموعد المحدد للحسم بإسقاط الدولة ينطلق من موجه 25يناير 2016م، فلما فشل التنظيم فى تحقيق مراده، بدأ البديل الأمريكى فى الظهور، ملتحفاً بتقاعس الدولة عن تطبيق بنود خريطة الطريق المصرية المعنية بـ (المصالحة المجتمعية العدالة الانتقالية)، ومتستراً خلف أداءات كثيرة مورطة للدولة تقوم بها -عامدة أو جاهلة- أطراف داخل النسيج الإداري، ومستثمراً لعوار حالة الحقوق والحريات المصرية بعد فصلها عن عوار يطول كل ملامح وطن يقاوم لإعادة بناء ما تهدم.

بمجرد دخول إبراهيم منير على الخط، لم يعد لولاة الأمر فى هذا الوطن مناصاً عن التنبه، حيث إن الدعم الأمريكى لمصر فى هذه المرحلة، سيظل مرهوناً بأجندة الأولويات الأمريكية، والتى تتحدد فى ضوء ما يتماشى ورؤية أمريكا لشرق أوسط جديد تكونه أنظمة إقليمية وحدود جغرافية مغايرة لتلك التى عرفها العالم عبر التاريخ الحديث.

ما يمكن الجزم به فى ضوء هذا الواقع، أن الإدارة الأمريكية أطلقت، إشارة البدء لخطة استهداف جديدة، سعياً لفرضٍ خارجي، لما لم يستطع تنظيم الإخوان فرضه داخلياً فى 25 يناير 2016، وبالتالى فإن فصول التهديد القادمة تستوجب العمل على مسارات متوازية بهدف إعادة تقييم حقيقى لموقف الإدارة الأمريكية من مصر، وتقويم مخلص للأداءات المورطة للدولة على مستوى اجتثاث جذور الفساد، أو مواجهة مخططات التخريب أو وضع أسس الدولة المدنية المنشودة، وتقيم عاجل لمنجزات خريطة الطريق المصرية للوقوف على أسباب عدم وجود مشروع وطنى مصرى للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وتطوير الأداء الإعلامى الوطني. عبر هذه المسارات وغيرها يمكن تجنيب مصر مغبة الانسياق وراء كل دعم متربص لا يستهدف دعم الحلم المصرى فى وطن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف