الأخبار
عبد القادر شهيب
شيء من الأمل- الفقراء والسيسي
أصاب الرئيس السيسي كبد الحقيقة حينما قال بوضوح في خطابه الذي ألقاه أمام أعضاء البرلمان: «أمامنا الكثير لتقديمه للفقراء».. فإن الفقراء في مصر مازالوا يحتاجون الكثير فعلا حتي ننتشلهم من فقرهم، أو حتي نوفر لهم رغم فقرهم الاحتياجات الأساسية والضرورية من غذاء وكساء ومسكن بالإضافة إلي خدمات أساسية أخري كالتعليم والعلاج. لقد أورد الرئيس السيسي عددا من الجهود التي تستهدف التخفيف من وطأة معاناة الفقراء مثل تنفيذ مشروع تكافل وكرامة، وتوسيع نطاق معاش الضمان الاجتماعي، ومكافحة ارتفاع الأسعار، والسعي لتطوير القري الأكثر احتياجا فضلا عن المضي قدما في علاج مرض فيروس سي مجانا للفقراء.. وكل ذلك مهم وضروري ويحتاجه الفقراء، بل وأبناء الشرائح الدنيا للطبقة المتوسطة أيضا، ولكن تبقي معاناة الفقراء التي تراكمت وزادت حدة عبر سنوات عديدة مضت كبيرة جدا، وبالتالي تحتاج لجهد أكبر ومنهج ومخطط للتخفيف منها حتي تتوفر لهم احتياجاتهم الأساسية والضرورية كآدميين.
ان آخر احصاء رسمي لمن يعيشون تحت خط الفقر في البلاد ارتفع - طبقا لأرقام جهاز التعبئة والاحصاء - ليصل إلي ٢٦٫٥٪ من عدد السكان، أي ليصل إلي نحو ٢٣ مليون فرد لا يتوفر لهم الحد الأدني من الاحتياجات الأساسية من بينهم أكثر من ثلاثة ملايين ونصف يعانون من الفقر المدقع، أي لا يتوفر لهم الحد الأدني مما يحتاجونه من الغذاء الضروري لبقائهم علي قيد الحياة، بينما معاش الضمان الاجتماعي الذي تم مضاعفة عدد المستفيدين منه لا يشمل الآن غير ثلاثة ملايين فرد فقط.
أما إذا أضفنا إلي من يعيشون تحت خط الفقر هؤلاء الذين يعيشون بالقرب من هذا الخط ومهددين بالوقوع تحته، كما حدث خلال أكثر من عقد من السنوات التي مضت، فنحن ازاء نحو ٤٠٪ من السكان، أي أكثر من ٣٥ مليون نسمة يحتاجون لمن ينتشلهم من فقرهم أو يحميهم من الوقوع تحت خط الفقر أو يخفف عنهم معاناتهم، ويوفر لهم الحد الأدني الضروري من الاحتياجات الأساسية. وإذا كانت الحكومة كما تشي كلمات رئيسها وتصريحات عدد من وزرائها، خاصة وزراء المجموعة الاقتصادية، مضطرة لأن تتخذ قرارات صعبة بل ومؤلمة طبقا لوصف المهندس شريف اسماعيل، فإن الأمر يقتضي بالتأكيد خطة، وليس مجرد إجراءات متفرقة لحماية الفقراء بدءا من الأشد فقرا وحتي هؤلاء المهددين بالوقوع تحت خط الفقر، لأن كل ما تم - وهو محمود ومهم - لمساعدة الفقراء لا يكفي كما وكيفا.. فهو لم يستهدف سوي نسبة منهم ليست كبيرة - أي أن حمايتنا لا تشمل كل الفقراء، وأنما عددا محددا فقط منهم.. ان الحكومة تقول أنها سوف تستهدف الفقراء في القري الأكثر فقرا التي تتركز في ريف الصعيد، وفي العشوائيات التي توجد في عدد من مدننا، ولكن ما تقوم به الحكومة في هذا الصدد محدود، بل لعلها تلقي العبء الأساسي هنا علي المجتمع المدني ومنظماته والجمعيات الأهلية، التي تسعي للارتقاء فقط بأحوال بضعة عشرات من القري الأكثر فقرا بينما لدينا نحو ألف قرية هي الأكثر فقرا معظمها يتركز في أسيوط وسوهاج والمنيا.
نعم مواردنا المالية محدودة، والذين يتربصون بنا ولا يريدون استثناءنا - كما قال الرئيس السيسي - مما يعاني منه أهل بلاد في منطقتنا، يمارسون شبه حصار مالي علينا، وبالتالي فإن يد الحكومة قصيرة رغم أن عينها بصيرة بأحوال الفقراء ومطالبهم، بل والضغوط المتزايدة علي أبناء الطبقة الوسطي أيضا.. غير أن ذلك بات يفرض علينا إعادة ترتيب أولويات انفاقنا، الانفاق العام والحكومي.. ولدينا الآن برلمان أعضاؤه تم انتخابهم من قبل الشعب وعليهم أن يشتركوا في صياغة وترتيب هذه الأولويات وما يحتاجه البيت يجب أن يحرم علي الجامع.. أي يجب ان تكون أولوياتنا هي مع الإصلاح الاقتصادي استهدافا مخططا وممنهجا وجادا للفقراء لتخفيف المعاناة عليهم.. والبداية هنا لابد وأن تكون توفير قاعدة معلومات حقيقية بهؤلاء الفقراء تتضمن حصرا شاملا ودقيقا لهم، خاصة وأننا نتحدث عن أكثر من ربع عدد السكان يعيشون تحت خط الفقر.
ان نسبة من يعيشون تحت خط الفقر - طبقا لإحصاءات جهاز التعبئة والاحصاء - اتجهوا للزيادة منذ بداية الألفية الجديدة من ١٦٫٧٪ ليصلوا إلي ١٩٫٦ عام ٢٠٠٤/٢٠٠٥ ثم إلي ٢١٫٦ عام ٢٠٠٨/٢٠٠٩ ثم إلي ٢٥٫٢٪ عام ٢٠١٠/٢٠١١ أما في عام ٢٠١٢/٢٠١٣ فقد قفزوا إلي ٢٦٫٣٪.
وذلك أمر لا يمكن السكوت عليه أو تأجيل مواجهته ليس فقط لأنه يتناقض مع مقتضيات العدالة الاجتماعية التي يلزمنا بها الدستور، وإنما أيضا لأنه يتناقض مع جهود استعادة الاستقرار الاجتماعي والسياسي الضروري لحماية كيان دولتنا الوطنية، ناهيك عن تعطيله لعملية إعادة بناء دولتنا لتكون دولة ديمقراطية مدنية حديثة، لأنه يمنح الفرصة لمن يتربصون بنا للنيل منا وإلحاق الأذي بنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف