الوطن
حسن ابو طالب
رسالة مفتوحة إلى الملك سلمان
جرت العادة أن يتوجه بعض الكتّاب أو السياسيين أو الناشطين السياسيين والحقوقيين برسائل مفتوحة إلى قادة بلدانهم أو إلى قادة أو مسئولين كبار مؤثرين فى شئون العالم ككل، يلفتون نظرهم إلى أمر جلل أو يطرحون عليهم أفكاراً مهمة أو يطالبونهم بمزيد من الاهتمام بأمر ما. ومن هذا المنطلق أتوجه برسالتى المفتوحة هذه إلى العاهل السعودى سلمان بن عبدالعزيز، خادم الحرمين الشريفين، والرجل الذى أعاد صياغة الدور السعودى عربياً وإقليمياً ودولياً رغم قصر المدة الزمنية التى تولى فيها الحكم ملكاً.

وفى البداية، وبعد التحية الواجبة لقائد عربى كبير، نطرح بعض الهموم عليكم لعل فيها ما يفيد.

جلالة العاهل السعودى سلمان بن عبدالعزيز..

فى يقينى أنكم تعرفون إلى أى مدى يرتبط الشعبان المصرى والسعودى برباط وثيق من مشاعر الاحترام المتبادل جنباً إلى جنب الارتباط المصيرى. وفى يقينى أيضاً أنكم تعرفون أن الشعب المصرى لن ينسى موقف المملكة قيادة وشعباً الداعم لثورته ضد جماعة ثبت بالدليل مدى إرهابيتها ومدى تفريطها فى حقوق الوطن والمواطنين. وفى يقينى ثالثاً أن بلادكم العزيزة تحظى بمكانة خاصة لدى كل مصرى يتطلع دوماً لزيارة الحرمين الشريفين حجاً أو عمرة أو زيارة أو عملاً، وهو تطلع بات من الحقائق التى تترسخ أكثر مع مرور الزمن.

جلالة العاهل السعودى سلمان بن عبدالعزيز..

إننا ندرك تماماً حجم التغير الذى باتت عليه السياسة الخارجية للمملكة منذ أن توليتم مسئولية القيادة العليا لبلادكم، وندرك أن الظروف الدقيقة التى تمر بها منطقة الخليج والمنطقة العربية ككل، وما فيها من تهديدات وتحديات وتدخلات ظاهرة وباطنة من دولة إيران الجارة لكم بحكم الجغرافيا، قد فرضت على المملكة أن تبادر عسكرياً على نحو غير مسبوق، وأن تدخل فى معارك شرسة كما الحال الآن فى اليمن منذ عام تقريباً، من أجل أمن بلادكم الذاتى وأمن إقليم الخليج ككل. ويعلم الجميع أن مصر قد وقفت مع تحركاتكم ومبادراتكم المختلفة بحكم المصير المشترك والتنسيق المتبادل الممتد فى عمق الزمن. ولعل مشاركة مصر فى عمليتى عاصفة الحزم والأمل فى اليمن، وفى العديد من التدريبات العسكرية المشتركة، وآخرها رعد الشمال، ما يؤكد أن البلدين يسيران فى طريق واحد وليس طرقاً عديدة. وفى يقينى أن ما تتحمله المملكة من أعباء يفرضه الدور الذى لا مناص منه، والمكانة التى اكتسبت على مر السنين والأيام، فضلاً عن الاستعداد لبذل المزيد عن طيب خاطر ما دامت التحديات والتهديدات لا تتوقف.

جلالة العاهل السعودى سلمان بن عبدالعزيز..

نعرف ونقدّر رؤيتكم للأزمة السورية، وندرك معكم أهمية أن يكون للسوريين بكل أطيافهم حرية اختيار مصيرهم بعيداً عن الشمولية والاستبداد والعنف والقتل والترويع الذى عاشوه قسراً وعانوا منه الويلات وما زالوا. ونعرف جميعاً أن السعودية كانت وما زالت من كبار المؤيدين والمساعدين بالأموال وبالدعم السياسى والإعلامى لفصائل معينة من المعارضة السورية المسلحة، أملاً فى أن تنجح فى كسر شوكة نظام الأسد، وأن تحطم نظامه تحطيماً.

وندرك أيضاً أن السعودية تشارك فى الحملة الدولية بقيادة واشنطن ضد تنظيم داعش الإرهابى الممتد فى كل من سوريا والعراق، ولا يختلف أحد على أن الوضع السورى قد وصل إلى درجة من التعقيد والتشابك بين مصالح وصراعات إقليمية ودولية على نحو يحتاج وقفة تأمل وإعادة تقييم كلية لما جرى فى السنوات الأربع الماضية، وما يمكن أن يكون عملياً فى السنوات القليلة المقبلة، وإلى أى حد نحن كعرب بحاجة إلى الحفاظ على سوريا كبلد موحد وما هو الثمن الذى يمكن دفعه من أجل هذا الهدف الاستراتيجى الذى يمس مصير كل بلد عربى دون استثناء.

وندرك كذلك أن التدخل العسكرى الروسى قد أعاد خلط الأوراق كثيراً، ورغم ما ينطوى عليه هذا التدخل من مخاطر قليلة أو كثيرة، فهو حقيقة لا يمكن إغفالها أو الاكتفاء بإدانتها. وفى المقابل فإن هناك قوى إقليمية، أبرزها إيران وتركيا، تتدخل فى الحالة السورية انطلاقاً من مصالحها الذاتية البحتة. وإذا كان التدخل الإيرانى مفضوح الأهداف، فإن التدخل التركى يثير القلق والاضطراب معاً، ورغم العنوان الذى تطرحه أنقرة بأنها فى مواجهة مع داعش، فكل الحقائق تثبت أنها هى التى دعمت داعش وتعاملت معه فى السنوات الأربع الماضية بكثافة منقطعة النظير. وهى الآن تخوض حربها الخاصة ضد الأكراد وليس مواجهة داعش، وتسعى إلى مظلة عربية ودولية من أجل تدخلها البرى فى جزء لا يقل طولاً عن 100 كم من الأراضى السورية وبعمق لا يقل عن 35 كم، وبما يجعل من وحدة سوريا الجغرافية خبراً من الماضى.

وفى يقينى أن المملكة السعودية لا تقبل إطلاقاً بتقسيم سوريا جغرافياً. فمن يقبل بتقسيم سوريا اليوم قد يواجه نفس التحدى فى الغد.

وفى هذا السياق، فإن ما أعلن رسمياً عن استعداد الرياض التدخل البرى فى سوريا لمواجهة داعش إذا ما تقرر ذلك تحت مظلة التحالف الدولى بقيادة واشنطن يمكن أن نفهمه كأحد أمرين، إما نوع من الضغط على الرئيس أوباما الذى ترك التدخل الروسى يعيد صياغة المعادلات السورية على نحو أضر بالمعارضة ضرراً بالغاً، أو أنه استعداد فعلى للتدخل من خلال التنسيق مع تركيا، وإذا كان الأمر الأول مفهوماً فى سياق ممارسة الضغوط بهدف تعديل الموازين الحاكمة للأزمة السورية، فإن الاستعداد الفعلى للتدخل البرى بدون تنسيق دولى وأممى كامل سيكون ضرره أكثر من أى نفع يمكن تصوره. ومن الصعب تخيل أن السعودية يمكن أن تتصرف منفردة فى أمر جلل كهذا، وإن حدث فسيكون من الصعوبة بمكان علينا أن نستوعب النتائج الخطيرة سعودياً وسورياً وعربياً وإقليمياً التى يرجح أن تنتج عنه. ونظراً لثقتنا فى القيادة السعودية ونظرتها الثاقبة للأمور، نثق بأننا لن نخضع لهذا الاختبار.

وكما أشرنا من قبل فإن أمن السعودية ليس شأناً سعودياً وحسب، إنه أيضاً شأن مصرى وعربى بامتياز. ونحن نثق فى المشاورات التى تجرى بين قيادتى مصر والسعودية الواعيتين بما يُحاك لنا جميعاً. حفظ الله بلاد الحرمين الشريفين وحفظ مصر وحفظ بلاد العرب والمسلمين أجمعين.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف