د. محمود خليل
«نصار».. و«نوبتجية السلطة»
خيراً فعل الدكتور جابر جاد نصار رئيس جامعة القاهرة، حين أصدر قراراً بسحب الإنذار الذى أرسلته كلية الآداب إلى الباحثة «خلود صابر» المدرس المساعد بالكلية، وتدعوها فيه إلى العودة من بعثتها إلى جامعة لوفان الكاثوليكية ببلجيكا، بسبب اعتراض وزارة التعليم العالى والإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات، وهى إدارة أمنية تابعة للوزارة. فلا يليق بمن يجلس على كرسى رئاسة جامعة القاهرة إلا أن يصوب الخطأ الذى وقعت فيه إحدى كلياتها، حين استسلمت للابتزاز الأمنى، مثلما فعلت وزارة التعليم العالى، فحاولت أن تفرض على باحثة العودة من بعثة -بعد أن سافرت- بسبب اتجاهها أو رأيها. لن أحدثك عن وجه الاستغراب فى أن تؤدى الوزارة على هذا النحو بعد ثورتين، لكن لك أن تتصور كيف كانت ستصف كتب التاريخ هذا الموقف الذى وقع داخل جامعة القاهرة التى أدارها -عند نشأتها- أبوالليبرالية المصرية وأستاذ الجيل أحمد لطفى السيد، وداخل كلية الآداب التى ضمت بين جدرانها أساتذة بحجم العميد طه حسين، وعبدالرحمن بدوى، وجمال حمدان، وزكى نجيب محمود، ونصر حامد أبوزيد، وسهير القلماوى، وأسماء كبيرة أخرى.
كنت أتمنى لو فكر وتدبر الدكتور أشرف الشيحى هذا الأمر قبل أن يشرع فيه، وددت لو تفهم الحالة الجديدة التى تعيشها مصر، بعد 25 يناير 2011، تلك الحالة التى عبر عنها الرئيس السيسى بدقة حين أجاب عن سؤال لمجلة «جون أفريك» يتعلق بتعديل الدستور فى مصر للبقاء على رأس السلطة لأكثر من ولايتين، بقوله: «مصر شهدت تغييراً والشعب المصرى لن يقبل أن يبقى شخص لا يريده، فهو يتسم بالذكاء وينتمى إلى حضارة عريقة». ما بال فكرة التغيير الذى ميز المصريون بعد «يناير» لا تزقزق فى عقول المسئولين عن تربية العقول فى مصر؟، هل من الممكن أن نتخيل أن بعضاً من هؤلاء يعيش حالة تغرب عن الواقع إلى هذا الحد؟. تقديرى أن الإجابة بالنفى!، إنهم واعون بالتغيير الذى حدث، ومدركون لحق الجامعة فى الاستقلال، دون الخضوع لتعسف الوزارة التى تخضع لابتزاز الأمن، لكنهم يظنون أن استبعادهم للعناصر التى تتبنى فكراً أو رؤية مخالفة للنظام، سيؤدى إلى رضاء أصحاب السلطة عنهم. وهم بذلك يسيئون إليها، ويضعونها فى مرمى النقد والمساءلة. لا أستطيع أن أقول إنهم أساءوا من حيث أرادوا الإحسان، فهم لا يريدون إلا أنفسهم ولا يعملون إلا لصالحهم، إذ يظن أحدهم أن الجلوس فى موقع «نوبتجى السلطة» هو الضمانة الأهم لاستمراره فى منصبه. هؤلاء «النوبتجية» يخصمون من رصيد السلطة، ليضيفوا إلى رصيد بقائهم. وأى سلطة تدرك أن شعبها تغير عليها أن تبادر إلى التخلص منهم.
الدكتور «الشيحى» مطالب بوضع إدارة الاستطلاع والمعلومات التابعة لوزارته فى حجمها، وألا يمنحها أدواراً لا تتسق مع طبيعة وظيفتها. ليس من حق هذه الإدارة ولا غيرها التفتيش فى الاتجاهات السياسية لأعضاء هيئة التدريس. ليس معنى ذلك بالطبع أن نقبل أن تتحول الجامعة إلى ساحة للصراع السياسى أو الحزبى، بل كل ما نريده أن يفهم الجميع أن هذا المكان «ساحة للتفكير»، بما فى ذلك التفكير السياسى الذى يعكس رأياً أو رؤية أو توجهاً معيناً، حتى ولو كان مخالفاً للسلطة.. و«كفاية» نوبتجية!.