عماد رحيم
أزمـــــة الأطـــــــباء تكشـــــــف المســــــتور!
ظلت أحداث مستشفى المطرية متصدرة المشهد الإعلامى مدة طويلة، تأججت فيها المشاعر بدرجات مضطردة، بفضل إسهامات
البعض من أصحاب المصالح الخاصة، الذين ارتأوا فى ذلك الحدث فرصة جيدة لسكب الزيت على النار، وصولاً لمرحلة الانفجار المنشود.
صوروا الأمر على أنه خلاف بين وزارتى الصحة والداخلية، حتى تعجب من تعجب، حينما مدح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى خطابه أمام البرلمان فى جهود الشرطة، التى كانت سببا واضحا فى حفظ الأمن المصرى الداخلى، لنسمع تعليقات على شاكلة، أن الرئيس تجاوز مشكلة الأطباء، فى محاولة لتصوير الأمر على أن الرئيس إنحاز للداخلية على حساب الصحة، وهو ما لم يحدث.
فالثابت بحسب رواية أطباء مستشفى المطرية، أن هناك تجاوزا قد حدث بحقهم من عدد من أمناء الشرطة، والقصة معروفة للجميع، كما هو معروف درجات التصعيد حتى الاجتماع الأخير الذى عقده الأطباء بمقر نقابتهم الجمعة الماضية، وهنا يجب تركيز الضوء على بعض النقاط المهمة:
أولاها: أن هذا الصدام إن جاز تسميته بهذا المسمى، لم يكن الأول، ومن المحتمل ألا يكون الأخير، فالوقائع معروفة ومتعددة، ولم تصل قسوتها لما وصل إليه الصدام الحالى.
ثانيتها: تعاملت الحكومة مع الأزمة بلا مبالاة كعادتها الأصيلة مع بعض الأزمات المشابهة، حتى استشعرت الخطر، وبدأت التحرك بعد اشتعال الأزمة، ولو كان قرار إحالة 9 أمناء شرطة للتحقيق بعد وقفهم عن العمل الصادر من وزير الداخلية، بالإضافة إلى قرار رئيس الوزراء الخاص بالتحقيق فى الواقعة وموافاته بالنتيجة، قد صدرا فور نشوب الأزمة، مع التحرك الإيجابى «المتأخر» لوزير الصحة، كان ذلك من شأنه نزع فتيلها فى الوقت المناسب، مع حفظ ماء وجه الحكومة.
ثالثتها: من حق الأطباء العمل فى إطار من الأمن والأمان الكامل، ولكن فى المقابل ليس من حق طبيب أياً كان ما تعرض له أن يغلق مستشفى فى وجه المرضى، وإلا فى المقابل، يتراجع الجندى القابع على الحدود مدافعاً عن البلد، وهو يعلم علم اليقين أن حياته مهددة، بل لن أبالغ حينما اقول إن منهم من يكتب وصيته قبل التوجه لنقطة الحراسة المسئول عنها، وبالمثل يتقاعس ضابط الشرطة المسئول عن مواجهة الإرهابيين، بعدما يشاهد زميله يسقط شهيدا أمام عينيه، فى الوقت الذى يشاهد بنى وطنه آمنين مطمئنين وسط أهلهم، يخرج عليه من يسخر من عمله، مؤكداً، أن دوره يحتم عليه الموت فى سبيل الوطن، وأنه لا يوجد تفضل منه فيما يقوم به من عمل! بل الأكثر غرابة، أن نشاهد من يدافع عن «شادى» و«مالك» بعد فعلتهم المشينة، مطالبين الشرطة بضبط النفس، ثم نوجه لهم أقسى سهام النقد عندما يخطئ أحد أفرادها، باعتبار الخطأ هو السمة الغالبة على الشرطة، ورغم كل ما سبق شرحه، وما يبرر أن يكون ردود فعل أبناء القوات المسلحة أو الشرطة مصحوبا بالتزمر أحيانا، وهو ما لم ولن يحدث، لأن ذلك يخالف العقيدة العسكرية التى نشأوا عليها تماما.
لذا كنت أتمنى أن يطالب الأطباء بالحفاظ على كرامتهم فى إطار من الحرص على العمل وفق عقيدتهم الطبية التى تدفعهم لعدم غلق بابهم فى وجه أى مريض.
رابعها: لا خلاف على حق نقابة الأطباء فى دعوة أعضائها للانعقاد، لمناقشة ما يريدون فى إطار تنظيم عملهم، والحفاظ على حقوقهم، ولكن يؤخذ عليهم تسييس الأزمة بهذا الشكل، لاسيما بعد حضور النشطاء السياسيين هذا الحشد المهنى، وادلائهم بتصريحات نارية من داخل النقابة لا ناقة لهم بها، فى الوقت الذى لا نراهم وسط فئات أخرى مهمشة، حتى ولو كان وجودهم من أجل الدعم النفسى إلا أنه معدوم، لعدم الانتفاع من ورائه، فحضورهم الحشد الطبى المتابع إعلاميا يأتى فى سياق محاولة ركوب الحدث، والانطلاق صوب طريق آخر مغاير للطريق الذى من المفترض أن يريده الأطباء.
خامسها: كشفت المعالجة الإعلامية لأزمة الأطباء مدى التشوه الحاصل فى الأداء الإعلامى، فقلما وجدنا تغطية محايدة لهذه الأزمة، دون أخذنا إلى منطقة الالتهابات، وهى المنطقة المنوط بهؤلاء وضع مصر بها ورؤيتها من خلالها، لتصويرها بالدولة غير المستقرة، وإعطاء صورة ذهنية سلبية عنها أولا للداخل من خلال تسريب حالة من اليأس أن البلد مأزومة لفترة طويلة حتى يتصدر الإحباط المشهد السياسى، ويبدأ الناس فى التزمر الذى يؤدى إلى ثورة، كما كانوا يخططون لجعل يناير الماضى مسرحا لأحداث عنف وهو ما فشلوا فيه، نظرا لوعى المواطن الذى شاهد إنجازات حقيقة تحققت فى أقل من عامين، كان محددا لها فترة أطول بكثير، وثانيا للخارج آملين فى «تطفيش» المستثمرين الذين جذبهم الاستقرار الاقتصادى والسياسى المتحقق فى مصر. وبات المطلوب منهم أن تظهر مصر فى حالة تأزم مستمر، ما أن تنتهى أزمة حتى تبدأ الأخرى وهكذا.
و أخيرا: هذا المسلك السيىء الذى فعله آحاد أمناء الشرطة مع أطباء مستشفى المطرية، لا يعبر بأى حال عن وزارة الداخلية التى تتزين واجهتها بصور شهدائها الذين ضحوا بأرواحهم فداء لمصر، فالشرطة شأنها شأن كل المهن بها الصالح والطالح، كما فى مهنة الطب، فلا يعنى أن طبيبا ارتكب خطيئة أزهقت روح مواطن، يؤشر إلى أن هذه الخطيئة يمكن أن تنال من قامة الأطباء أو من قيمة الطب!
لقد كشفت أزمة الأطباء المستور، وأوضحت الأداء الهزيل للحكومة، وكذا للإعلام، وباتت الحكومة مطالبة بمراجعة طريقة أدائها التى لا تتناسب إطلاقا مع طريقة أداء الرئيس المتسم بالحيوية والنشاط المتواصل، فاستمرار الحكومة بهذا الأداء من شأنه أن نتعرض لأزمات مزعجة متكررة من عينة أزمة الأطباء يسهل حلها قبل أن تبدأ بقليل من الحنكة، فهناك فئات أخرى تنهشها المشاكل، وأزماتها على وشك الانفجار، فهل تتحرك الحكومة بالشكل المناسب، قبل أن ينفرط العقد الفئوى!