المساء
مؤمن الهباء
شهادة- الحرب العالمية الثالثة
لم تكن الحرب العالمية الثالثة قريبة منا مثلما هي قريبة الآن.. فقد أصبح الكلام عنها واقعاً بعد أن كان مجرد افتراض خيالي بعيد الحدوث.. وحتي عندما ظهرت "الحرب العالمية الثالثة" عنواناً لفيلم سينمائي اكتشفنا أنه فيلم فانتازيا ساذج وفي غاية السطحية.. يتصور اجتماع الزعيم النازي هتلر بكل أشرار التاريخ.. من "أبولهب" إلي نابليون بونابرت وريا وسكينة لشن حرب شاملة علي رموزنا الوطنية.. لكنهم ـ كما يحدث في كل أفلامنا الساذجة ـ اندحروا وفشلوا.
الآن.. السماء فعلاً ملبدة بالغيوم الكثيفة.. ونذر الحرب العالمية الثالثة نراها فوق رؤوسنا.. والمقدمات تنبئ عن إمكانية اندلاع تلك الحرب المهلكة بين لحظة وأخري.. حتي إذا ما وقعت سنكتشف أن حرب هتلر وروميل كانت إلي جانبها مجرد "لعب عيال".
روسيا تحذر من أن إرسال قوات برية إلي سوريا يهدد بنشوب حرب عالمية ثالثة.. والسعودية أرسلت فعلاً قوات إلي قاعدة "انجرليك" التركية تمهيداً لدخول هذه القوات المحتشدة إلي سوريا تحت غطاء التحالف الدولي ضد داعش.
روسيا تقول إنها تحارب داعش في سوريا.. والعالم كله يعرف أنها تحارب الفصائل السورية المعارضة المسلحة دفاعاً عن نظام بشار الأسد.. والتحالف الدولي يقول إنه سيدخل برياً ضد داعش.. والعالم كله يعرف أنه يتدخل لدعم الفصائل السورية المعارضة المسلحة ضد نظام بشار الأسد.. إنها حرب الوكالة بامتياز.. كلهم يحاربون داعش إعلامياً.. وكلهم لا يحاربون داعش حقيقة.. بالعكس.. كلهم يحتاجون داعش مبرراً مقبولاً للحرب في سوريا.
العالم الآن يقف علي أطراف أصابعه.. انتظاراً لانطلاق شرارة الحرب التي ربما تكون سبباً لتدمير الإنجازات التي حققتها الحضارة الإنسانية.. وتعود الحياة إلي بساطتها الأولي.. بعد أن ظن أهل الأرض أنهم قادرون عليها.
والحقيقة التي يجب أن ندركها نحن أبناء هذه المنطقة المنكوبة من العالم أن الحرب علي بلادنا. أو في بلادنا. لم تتوقف لحظة.. وأن مصطلح الحرب بالوكالة نشأ وتحقق علي أرضنا.. فالقوي الكبري تحارب معاركها بنا.. وتتصارع علينا.. وتنتصر أو تنهزم من خلالنا.. وتجرب أحدث أسلحتها فينا.. لكنها أبداً لا تتصادم بشكل مباشر.. ولم تعد تخوض حروباً سافرة.. تكون فيها المواجهة بين جيش وجيش.
وعندما سألت مجلة "باريد" الأمريكية الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون: هل تتوقع نشوب حرب عالمية ثالثة.. قال إن الحرب العالمية الثالثة قد نشبت بالفعل في صورة أربعين حرباً إقليمية دارت عن بعد في إطار الصراع الأمريكي السوفيتي علي أرض دول العالم الثالث. ومن خلال معارك وحروب بين أطراف محلية. ودون أن تتورط فيها مباشرة القوتان الكبيرتان.
وبعد حوالي ربع قرن من سقوط الاتحاد السوفيتي يبدو أن روسيا رسمت لنفسها استراتيجية العودة إلي مناطحة أمريكا وإنهاء عصر القوة الواحدة.. وقد كسبت معركة أوكرانيا.. ثم سجلت انتصاراً خطيراً في سوريا قلب الموازين الإقليمية خلال الأسابيع القليلة الماضية.. واستفادت كثيراً من فوبيا التدخل العسكري السافر الذي أصاب إدارة باراك أوباما خوفاً من تكرار التجربة الفاشلة لغزو العراق أو تكرار عقدة فيتنام.
لكن الأطراف الإقليمية ـ بالذات السعودية وتركيا ـ صارت أكثر اندفاعاً من أمريكا للتدخل العسكري السافر والكثيف في سوريا رغم كل المخاطر.. إدراكاً بأن تمدد النفوذ الروسي الإيراني في المنطقة ستكون له عواقب وخيمة عاجلاً وآجلاً.. وأنه لابد اليوم مما ليس منه بد.. وأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
والسعودية ليست وحدها في هذه الحرب.. فقد أعلنت أن معها تحالفا إسلاميا من 27 دولة.. بالإضافة إلي التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا وفيه عدة دول أوروبية.. فماذا تسمي هذه المواجهة إلا أن تكون ـ فعلاً ـ هي الحرب العالمية الثالثة.. اللهم احفظنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف