الوطن
سهير جودة
أمراض لا يغيرها الزمن
هل نتوارث الأخطاء والأمراض كما نتوارث العادات والتقاليد بكل ما فيها من ابتلاءات ونتعامل معها باعتبارها مقدساً أو دستوراً نحتفى به ونظل أوفياء له، فهل نحن أوفياء للخطأ والفشل؟ هذه الأسئلة طرحت نفسها بقوة وحسرة عندما قرأت عدداً قديماً لمجلة المصور بتاريخ 16 مايو 1952 قبل قيام ثورة 23 يوليو، استوقفنى مقال أكثر من رائع لحلمى سالم بعنوان «نريد من الزعماء أن يعترفوا» فاكتشفت أنه لا شىء يتغير فى مصر وما أشبه الليلة بالبارحة على مستوى الأمراض الاجتماعية وتكرار الأخطاء ومحدودية التفكير والاتجاهات إلا فى لحظات تاريخية قليلة فنحن ندور فى نفس دورة المرض بنفس التفكير والأداء.. فلا يوجد جيل يسلم جيلاً آخر إلا مرغماً وبالإكراه، ومن النادر أن يعترف أحد المسئولين بالعجز وعدم القدرة على العطاء ليتيح لغيره الفرصة، وللأسف نحن فقراء جداً فى الرجال الذين لا يجدون حرجاً فى أن يقرروا الانسحاب من المسرح ليصعد إليه الذين لا يزال عندهم شىء يعطونه، لا أحد يعترف بأنه استنزف كل ما عنده إما بحكم الكبرياء أو بحكم المغالطة.

حلمى سالم ضرب المثل بمصطفى النحاس الذى نجح وأعطى ولكنه كان يطالبه بالتقاعد فقد أنهكه الجهاد ولم تعد له عليه قدرة، ونفس الشىء مع مكرم عبيد، النماذج التى تحدث عنها لم يعد لدينا فى قامتها إلا القليل، فأغلب من يتصدر المشهد فى مصر أخذ ولم يعط، ومنهم من حاول وفشل إما لأنه بلا مؤهلات وإما لأنه لم يمتلك إرادة التغيير ففقد حماسه وأحبطته القوانين والبيروقراطية ولكن يبدو أنها عادة مصرية أن يتشبث من فشل بالبقاء على المسرح ليسد الطريق أمام من لديه علم وحلول وبقية من أمل ليمنح هذا البلد طوق النجاة، خاصة أننا على وشك الانتحار بأكثر من علة ولأكثر من سبب.

ويبدو أن العادات المصرية لديها فائض من القوة والصلابة والمقاومة وبالتالى لا تغيرها الثورات ولا يهزمها الزمن ودائماً لدينا اعتقاد أن الموجود هو الأفضل، ليس فى السياسة فقط ولكن على مستوى الفكر وتحمل المسئولية وإيجاد الحلول وامتلاك التصورات المبدعة. دائماً نعانى من مرض الشك فى أن نوعية هذه الشخصيات غير موجودة، وبالتالى فنحن لا نراهم أو نشكك فيهم.

وإذا كانت السياسة هى فن الممكن وصناعة المناورات فإن التغيير والتطور يحتاج لفكر يحلق بعيداً عن السياسة المحترفة وحساباتها ولا يتعامل مع الواقع والممكن وبالتالى عندما جاء طه حسين وزيراً للمعارف كان يعرف من أين نشأ الظلام الذى ضرب على أعين الشعب فجعل 80% منه عمياناً لا يبصرون وكانت لديه التصورات والحلول لإحالة الجهل إلى التقاعد..

فمنح الناس الدواء لدائهم الذى عرفه ففرض مجانية التعليم ووسع الأبواب الضيقة وحول العتمة والظلمة إلى نور، ونحن أحوج الآن لنموذج طه حسين، خاصة فى التعليم، فإذا كان فى زمنه لم يكن هناك تعليم لانعدام المقدرة فالآن لدينا مقدرة وتعليم ولكنه والعدم سواء. نحتاج لفكر يضع لمصر برنامجاً اقتصادياً واجتماعياً يحول بينها وبين الهوة التى ننسحب إليها يوماً بعد يوم، نحتاج أفكاراً على موجة احتياجات الناس تجعل للسياسيين والمفكرين وقادة الرأى تأثيراً ومصداقية وقوة. نحتاج أفكاراً تقدم إضافة للتطور الاجتماعى والسياسى.

نحتاج ألا نقف عند العيش والحرية والكرامة الاجتماعية ففى مرحلة الأربعينات كانوا جميعاً صناع جلاء وصناع وحدة ولم يدركوا أن دورة الزمن تفرض احتياجات أخرى ونحن نكرر الأخطاء ذاتها ونقف عند عناوين براقة وشعارات يزايد فيها بعض السياسيين على الناس دون أن تكون لديهم برامج حقيقية أو أفكار خلاقة أو حتى رغبة حقيقية لكيفية تحقق وتحقيق العدالة الاجتماعية ونبكى على الديمقراطية ولا نمتلك رؤى لشكل الحياة السياسية والأداء السياسى الذى يناسب العصر فى هذه اللحظة. لا يكفى أن تقول حرية أو ديمقراطية أو عدالة اجتماعية، لم يقس أحد ترتيب احتياجات الناس الآن ولم يقدم أحد المخارج الجديدة التى تقول للناس كيف تتغير حياتهم إلى الأفضل وكيف يعيش آمناً كريماً لا يخاف من فقر أو مرض أو ظلم، وكيف لا يموت لديه الطموح والأمل فى الارتقاء بالحياة وأغلب الأفكار سواء داخل الحكومة أو خارجها تدور فى إطار سد الاحتياجات وعلاج الأزمات.

استوقفتنى جملة عبقرية ختم بها حلمى سالم مقاله تطرح كل المواجع والأسئلة وأهمها: هل تغير شىء فى مصر منذ عام 52 وحتى الآن؟ ويقول: ما أظن التاريخ عرف أمة زراعية تستورد قمحها من الخارج إلا هذه الأمة التى احترف أبناؤها السياسة فأوشكت أن تلقيهم وتلقى أمتهم معهم طعمة لنيران فقر لا يبقى ولا يذر..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف