التفاصيل المتعلقة بتفاصيل حركة الدولار أمام الجنيه لا يستوعبها الكثيرون، ما يعلمه الناس جيداً أن أى ارتفاع فى سعر الدولار أمام الجنيه المصرى يصاحبه اشتعال فى الأسعار والخدمات التى يحتاجون إليها فى حياتهم اليومية، فإذا أضفنا إلى ذلك القرارات المؤلمة التى أنذرتنا بها حكومة «إسماعيل»، والتى تقضى برفع أسعار الكهرباء والمياه (التى رفعت عدة مرات خلال الأشهر الماضية)، وخفض الدعم على المشتقات البترولية (التى تتراجع أسعارها عالمياً)، والحديث المريب عن خفض مرتبات الموظفين، الذى يتزامن مع استمرار تطبيق قانون الخدمة المدنية، رغم الانتهاء من كل الإجراءات الخاصة برفضه، إذا أضفنا هذه الإجراءات -الظاهر منها والخفى- إلى اشتعال سعر الدولار بالأسواق، فنحن أمام مشكلة ترقى إلى وصف «الكارثة»، وهذا الوصف ليس من عندى، بل استخدمه عدد من الخبراء الاقتصاديين، وهم بصدد الحديث عن تخطى الدولار «الأسود» حاجز الجنيهات التسعة.
لا خلاف على أن السلطة الحالية تعيش ورطة حقيقية، وقدرتها على السيطرة على معطيات الاقتصاد تقل شيئاً فشيئاً. المشكلة أن الحكومة فشلت فى جلب استثمارات، لأن الجهد الذى بذل فى هذا السياق اعتمد على الصخب الدعائى، أكثر مما استند إلى تغييرات واقعية على الأرض. كما أن طول نفس الإرهاب، والسقطات المدوية للأداء التى أدت حوادث عديدة، نتج عنها حالة توقف شبه كامل للسياحة، يضاف إلى ذلك أن التفريعة الجديدة فى قناة السويس لم تحقق العائد المأمول منها، ربما تحقق ذلك بعد حين، ولكن فى سياق الظرف الذى نعيشه لم يجد جديد. وأمام تفاقم العجز فى الموازنة، وعجز الحكومة عن مواجهة المشكلات السالفة، لجأت إلى التفتيش، كما تعودت هى وغيرها من الحكومات السابقة، فى جيب المواطن، وعلى وجه التحديد المواطن المنتمى إلى كل من الطبقتين الوسطى والدنيا.
علينا أن نعترف بأن السلطة الحالية تراخت فى إيجاد صيغة ناجحة للتعامل مع رجال الأعمال، بدءاً من صيغة «هتدفعوا.. هتدفعوا»، وانتهاء بتحفيزهم على اتخاذ أية خطوات لتنشيط الحالة المتردية التى وصل إليها اقتصادنا، نتيجة عدم وجود حضور حقيقى لهم فى المشروعات التى تجرى فى مصر منذ عام ونصف. كذلك لم نلحظ جدية حقيقية فى محاربة الفساد، ولعلك تذكر تقرير «جنينة» والطريقة التى عومل بها، وبالطبع لا أمل فى جلب جنيه من المليارات التى تم تهريبها إلى الخارج. وفى ظل اعتماد الحكومة على المواطن فى حل مشكلاتها الاقتصادية، بدأ بعض من تراخت السلطة فى مواجهتهم فى رفع شعار «لو خرب بيت أبوك الحق فيه قالب»!.
الضغط المستمر على المواطن ينذر بعواقب سيئة. فالناس لن تحتمل. كل شىء وله آخر. كان من الوارد أن يتحمل الناس لو كان ثمة أمل فى حل، بل لقد فعلها المصريون، حين رضوا بخفض الدعم عن البنزين والسولار، وقبلوا بارتفاع أسعار الكهرباء والمياه والغاز، وقبلوا بأكثر من ذلك، وكان أساس القبول والرضا «الأمل فى الحل». كل ما أخشاه أن يكون الأمل فى وجود حل قد تراجع، وحل محله نوع من اليأس. على السلطة أن تتريث قليلاً، وهى تحسب حسبة «العجز» فى الموازنة فى إطار معادلة «تعجيز المواطن»!.