الأهرام
مرسى عطا الله
..ورحل المارد!
رحل أبى الروحى وأستاذى ومعلمى الذى عايشته وعاصرته وزاملته ولازمته منذ عام 1965 فكان دوما ناصحا وموجها ومرشدا، معاتبا لا يغضب مهما تباعدت المسافات وتباينت الرؤى بشأن مختلف القضايا.

رحل محمد حسنين هيكل مارد المهنة وسيد الكلمة وأستاذ الإدارة وعملاق الوطن والعصر، صاحب الدور الأبرز والأهم فى الصحافة وفى السياسة منذ أربعينيات القرن الماضى وحتى اليوم.

رحل الرجل الذى صنع اسما عالميا لامعا كان يفتح أمام صحفيى الأهرام كل الأبواب المغلقة داخل مصر وخارجها.

رحل من أجمع الخصوم قبل المحبين على أنه بنى مدرسة عريقة فى الصحافة تلهث وراء الخبر الصحيح والدقيق، وتهتم بالتحليل الموضوعى الرصين دون انكفاء على هموم الحاضر وتحدياته، وإنما تسعى وبإصرار إلى استشراف المستقبل وآفاقه.

اتفق واختلف مع كل رؤساء مصر، ولكنه لم يبرح خندقه المتمترس فى جبهة الدفاع عن الدولة المصرية والاستقلال الوطنى وحتمية توثيق الروابط مع دوائر الانتماء الثلاث وهى: الأمة العربية، والقارة الإفريقية، والمجموعة الإسلامية، ومؤلفه الشهير «فلسفة الثورة» خير شاهد وخير دليل.

لم يكن «بصراحة» عنوان مقال جذب اهتمام الملايين داخل مصر وخارجها لسنوات طويلة، وإنما كان عنوانا لمضمون مهنى وسياسى يرتكز إلى المعلومة الدقيقة والحقيقة الموثقة بأسلوب عف بالغ التهذيب حتى مع بعض الصغار الذين تطاولوا عليه أحيانا وكانت كلمته الشهيرة لى وللعديد من محبيه ممن ينتقدون ترفعه عن الرد: «من حسن الحظ أننى أعرف نفسى جيدا وأظننى أعرف الآخرين».

وعلى عكس ما توهم الكثيرون بأن رحيل جمال عبدالناصر سيفقد هيكل كثيرا من دوره كعالم ببواطن الأمور أو محلل ثاقب الرؤية، فإن هيكل أكد أستاذيته، وجذب إلى جلساته وحواراته أجيالا جديدة من شباب اليوم ممن آمنوا به وأيقنوا بسلامة رؤيته وحسن تحليله للمشهد العام بدرجة كبيرة.

رحل الأستاذ، وما أعمقها من كلمة تحمل كل معانى الاحترام والتقدير والعرفان بالجميل، من جانب كل الذين عرفوه وعملوا إلى جواره ونهلوا من علمه... وأنا واحد من هؤلاء أفتخر بذلك وأزهو وأباهى حتى نهاية عمري!

رحل من تضيق الصفحات عن ذكر مواقفه التى لا تنسى معي، فهو الذى رشحنى للعمل إلى جوار الفريق أول محمد صادق فى المخابرات الحربية، وزادنى تشريفا بحضوره حفل زفافى بصحبة زوجته الفاضلة. وما بين الحدثين كثير وكثير مما يظل دينا فى عنقي. رحم الله رجلا رأيت الدموع فى عينيه فرحا بنجاح العبور المجيد يوم السادس من أكتوبر 1973.. وتلك كلها مشاهد تحتاج إلى تسجيل وتوثيق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف