مؤمن الهباء
شهادة - إيران.. في الفخ!!
خسرت إيران كثيراً بانحيازها إلي نظام بشار الأسد ضد إرادة الشعب السوري وثورته.. ودعمها السافر لهذا النظام سياسياً وعسكرياً.. وخسرت أكثر وأكثر بوقوفها إلي جانب الإنقلاب الحوثي علي السلطة الشرعية في اليمن وعلي مسار التحول الديمقراطي الذي حددته المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية.. فقد بدا واضحاً أن إيران لم تعد تتحرك بضمير "الثورة الإسلامية" ضد قوي القهر والطغيان وإنما تتحرك بضمير "طائفي" لخلق تحالف شيعي واسع يسمح لها بتمدد قدميها في العالم العربي.
لا أعرف من صاحب مقوله "إيران خسرت التاريخ وكسبت الجغرافيا".. لكنها مقولة صحيحة مائة بالمائة.. وكل يوم تتأكد صحتها عن اليوم الذي قبله.. فقد تخلت إيران اليوم عن منظومة القيم التي أطلقتها مع "الثورة الإسلامية".. وكانت تؤهلها لدخول التاريخ كدولة مباديء.. تقف في صف الشعوب المقهورة ضد حكامها الطغاة.. وتناصر قضايا المظلومين والمضطهدين في مواجهة الشيطان الأكبر وحلفائه.. ورضيت أن تضيق أحلامها وتكسب جغرافياً بوصولها إلي أربع عواصم عربية.. بغداد ودمشق وبيروت وصنعا ـ علي حساب سمعتها التاريخية.. ورضيت بأن تتصرف كدولة شيعية طائفية بعد أن كانت تدعي أنها دولة مباديء.. تتجاوز حدود الطائفية لتعلو في سماء الأمة الإسلامية ككل.
هذا التحول الاستراتيجي الذي بدأته إيران في العراق ثم سوريا واليمن سوف يأخذها إلي مناطق شائكة.. وربما يأخذها إلي فخ كبير منصوب لها.. وعندما تسقط فيه سوف يكون من السهل اصطيادها وكسر شكوتها.. لأنها لم تستوعب الدرس.
حينما كانت إيران تدعم فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله ضد الاحتلال الاسرائيلي لم يكن لها وجه طائفي ومصالح طائفية.. وكانت في ذلك تحظي بتقدير واحترام كبير في العالم الإسلامي رغم حملات التشكيك والتحذير من الأطماع المختفية وراء هذا الدعم.
وحتي عندما بدأت برنامجها النووي وسط مخاوف عربية مشروعة لدي السعودية ودول الخليج كان هناك قطاع عريض من الرأي العام ينظر إلي هذا البرنامج نظرة مثالية.. ويري أنه سيكون أحد عناصر التوازن الاقليمي مع البرنامج النووي الإسرائيلي.. ويتعجل اليوم الذي تعلن فيه إيران صناعة القنبلة النووية التي لا يمكن أبداً أن تكون موجهة إلي أي من دول العالم العربي والإسلامي.. وانما بالقطع ستكون موجهة إلي الدولة الصهيونية وحدها.
لا أنكر أن هذا اليقين بدأ يهتز بشدة الآن بسبب التوجهات الطائفية التي بدت في السلوك السياسي الإيراني تجاه العراق وسوريا واليمن.. إيران لم تعد الدولة المكسب لقضايا الشعوب العربية والإسلامية وانما صارت الدولة الشيعية التي تتمدد اقليمياً في مواجهة المحور السني.. وبذلك فقد فصلت نفسها عن المحيط الإسلامي الواسع الذي يحيط بها من كل جانب.. وانعزلت في "جيتو" طائفي ضيق..
وسوف تحمل الأيام القادمة لإيران مزيداً من التورط ومزيداً من الكراهية ومزيداً من الاستقطاب.. وايضا مزيداً من الاستنزاف.. وسوف يتزامن ذلك كله مع صعود اليمن المتطرف في أمريكا واسرائيل... ومن مشاهد خطاب نتنياهو أمام الكونجرس والحفاوة البالغة التي استقبل بها من جانب الجمهوريين.. يدرك أن الرئيس الأمريكي القادم سوف يكون جمهورياً متشدداً.. وساعتها سوف تسقط استراتيجية أوباما "الديمقراطي" ويسقط نهجه التفاوضي.. وتصبح الضربة الامريكية الاسرائيلية لإيران سهلة ومقبولة ـ أو مطلوبة ـ اقليمياً.
هل تنقذ إيران نفسها من ركوضها السريع نحو الفخ؟!.