المساء
محمد جبريل
ع البحري مأساة المينا الشرقية
في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي. بني أول كورنيش حجري. يصل بين قصري رأس التين والمنتزه. أدت عمليات رصف 26 كيلو متراً إلي تبديل صورة الحياة المطلة علي البحر شرقي الإسكندرية. كانت الأمواج تلامس بيوت الصيادين علي الساحل. وتبتلعها أيام النوات. بينما تبعد بيوت الطبقة المقتدرة داخل المدينة. فراراً من التأثيرات السلبية للبحر. ثم زحفت البنايات الهائلة إلي الواجهة. واقتصرت أحياء الصيادين علي الداخل في رأس التين والأنفوشي والسيالة. ما يسمي حي بحري الذي يعشقه كل أبنائه.
قيل ان إسماعيل صدقي الذي كان - أيامها - رئيساً للوزراء. خنصر مليوناً من الملايين الثلاثة التي أنفقت علي الكورنيش. سخر أبناء المدينة من الاتهام. وأعلنوا استعدادهم للتجاوز حتي عن السرقات. تقديراً لما أحدثه الكورنيش في حياة المدينة. صار أهم شوارعها. وتحولت المسافة بين بنايات السلسلة وقلعة قايتباي إلي مشهد سياحي وتجاري. يفد إليه أبناء المدينة. وزائروها. ووافق السكندريون علي دفع ضريبة سنوية لتغطية تكليف الكورنيش. سميت ضريبة الاثنين في المائة. أي قرشين من كل شقة تطل علي البحر. وأذكر أن أبي اعترض علي استمرار الضريبة. لعدم قانونيتها. بعد سنوات من بدء دفعها. قال له محصل البلدية: هل زالت المينا الشرقية - هكذا يسميها السكندريون - فتتوقف عن الدفع؟!. وجد أبي في قول المحصل ما أقنعه. فلم يعد إلي اعتراضه!
أخطر ما عانته المينا الشرقية في سني ما بعد نكسة 1967. غياب الممشي الجميل في موازاة اللسان داخل منطقة السلسلة. ثم تعددت البثور في المساحات الخالية. المتناثرة. من خلال بنايات النقابات والهيئات. فلم يعد باستطاعة السائر علي الشاطيء ان يشاهد من البحر إلا ما يتيحه له أصحاب البنايات المتلاصقة علي امتداد الشاطئ.
الخطوة المهمة التي اتخذها اللواء المحجوب. محافظ الاسكندرية الأسبق بإزالة التشوه عن المينا الشرقية. لم تستمر طويلاً. بل انها خلفت نادياً بحرياً. استأثرت بمساحته الهائلة فئة محددة ومحدودة.. لكن اليأس الذي انتهت إليه محاولات السكندريين للدفاع عن وجه مدينتهم. حرض أصحاب النفوذ - وهم كثر للأسف في حياتنا - علي اقتطاع مساحة جديدة من الشاطئ. قبالة محكمة الاستئناف. وتحويلها إلي موقف للسيارات!
الأنانية وفقدان الانتماء والاستهتار واللامبالاة وغيرها من الصفات. لا تصلح للتعبير عن صدمتي من هذا التصرف. وإذا لم تأخذ الدولة إجراء حاسماً يعيد كل شيء إلي أصله. فإن ما تشهده الاسكندرية لن يقف عند حد. ربما امتد التجريف إلي ما تبقي من المساحة بين السلسلة وقايتباي. أذكرك بالبناية الخرسانية الضخمة التي احتلت - بموافقة محافظ أسبق - ميدان أبوالعباس. أهم ميادين بحري. بدعوي توسعته. فاساءت إلي التراث السكندري. وإلي قيم دينية وشعبية.
لعل المحافظ الجديد يجد في إعادة المكان إلي طبيعته. ما يزيل الغضب الذي استعاد السكندريون - من خلاله - حكايات السيدة الأولي!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف