المساء
خيرية البشلاوى
رنات - حارة اليهود
في السنوات القليلة الماضية اكتسب تاريخ اليهود في مصر أهمية ملحوظة بالنسبة للسينمائيين ولمقدمي البرامج في القنوات المختلفة.. وأصبح الموضوع جاذباً ورائجاً ومثيراً!!
في عام 2012 قدم أمير رمسيس فيلماً تسجيلياً عن اليهود المصريين الذين عاشوا في مصر فترات من حياتهم ثم بعد قيام دولة إسرائيل والحساسية السياسية والاجتماعية التي صاحبت الصراع العربي الإسرائيلي وبالذات بعد العدوان الثلاثي هاجر معظم اليهود إلي بلدان غربية. واستقبلت باريس العدد الأكبر منهم ومنهم من ذهب إلي إسرائيل وكثير تعاون مع العدو.
الفيلم بعنوان "عن يهود مصر" ومن خلاله يصور المخرج عدداً من اللقاءات المباشرة مع نفر كبير منهم تحدثوا عن الظروف التي أدت إلي الهجرة. فهم حسب الفيلم خرجوا مطرودين أو بسبب الظروف الصعبة التي حاصرتهم سياسياً واجتماعياً.
الفيلم عرض في مهرجانات في أمريكا ودول أوروبية عديدة ولاقي ترحيباً واستحساناً نقدياً هنا في مصر.. وخارجها.
وفيلم عن اليهود من الطبيعي أن تفتح له أبواب المؤسسات الثقافية الغربية وتستقبله المهرجانات ويهلل له الإعلام. فنحن نعرف أن الصهاينة يسيطرون علي معظم المؤسسات الإعلامية الغربية. وأي سينمائي ينتج فيلماً موالياً لليهود من الطبيعي أن يحتفي به ولا يعني ذلك بالضرورة غياب الموضوعية في تناول المخرج لمادته. فقد اجتهد وبحث وسافر وعقد لقاءات مع الشخصيات اليهودية التي مازالت تحمل شحنات من الحنين لمصر التي هجروها. ولقاءات أخري مع الذين تمسكوا بالبقاء ورفضوا الهجرة ودافعوا عن حقهم المشروع في اختيار المكان الذي يعيشون فيه. ومنهم السيدة ماجدة صارون شحاتة المحامية التي أصبحت حالياً رئيسة الجالية اليهودية في مصر ووالدها يساري معروف بموقفه الوطني.
لقد قرر أمير رمسيس بشجاعة أن يتكلم عن هذا التاريخ في عمل تسجيلي مدافعاً عن ضرورة تقبل الآخر وكذلك لابد من التمييز بين الديانة والانتماء للدولة الصهيونية. وهو كلام حق وإن احتاج إلي تمحيص!
وبعد عرض الفيلم "عن يهود مصر" تفتحت شهية الإعلاميين للكلام عن اليهود وتاريخهم ودورهم بغض النظر عن الظروف السياسية الآن في علاقتنا بإسرائيل. نفس الشيء حدث بعد تصريح العريان ومناشدته لهم بالعودة"!!".
تجاهل بعض المتحمسين أن كثيراً من هؤلاء اليهود خانوا ولعبوا أدواراً معادية وانضموا إلي جهاز المخابرات الإسرائيلي بل وانضمام نفر منهم إلي جيش الدفاع الإسرائيلي مثلما شاهدنا في فيلم سلطة بلدي "2007" للمخرجة المصرية نادية كامل التي هاجر نفر من أقاربها إلي إسرائيل.. هذه الأيام تقوم أسرة "العدل جروب" بإنتاج مسلسل عن حارة اليهود من تأليف مدحت العدل وإخراج محمد العدل وإنتاج جمال العدل ويشارك في تمثيله عدد من النجوم المصريين منهم منة شلبي وجميل راتب والأردني إياد نصار.
المواد الإخبارية المنشورة حول المسلسل تشير إلي أن المؤلف اختار الفترة التاريخية من 1948 إلي 1956 أي منذ قيام دولة إسرائيل وحتي العدوان الثلاثي. وهي مرحلة غاية في الحساسية بالنسبة للعلاقة مع إسرائيل. وتناولها يتطلب دقة تاريخية وتدقيق في مصادر المعلومات بالإضافة إلي رؤية سياسية من منظور وطني مسئول بالطبع والمؤلف هنا ليس حراً ولكنه مقيد بتحري منتهي الموضوعية في هذا الصراع الممتد والذي سيطول القوي الاستعمارية الكبري الموالية للدولة الصهيونية وتعقد الأوضاع أكثر.
مدة المسلسل أضعاف مدة الفيلم. وطبيعة العمل الروائي السردي تختلف عن التسجيلي وإن خضع الإثنان لموقف صناع العمل والهدف الذي من أجله يبذلون المال.. ومن الطبيعي أن نتوقع قصصاً عن اليهود في مصر وعن النشاطات التي عرفتها "الحارة" التي تغيرت ملامحها دراماتيكياً والدوافع التي أدت إلي ترك مصر كما لابد أن يتضمن النشاطات المعادية التي مارسها العدو الصهيوني داخل الأراضي المصرية مثل اغتيال بعض الشخصيات كالنقراشي باشا.. ومن المؤكد ايضا أن الخيال الروائي سوف يختلط بالوقائع التسجيلية.
لا أحد ينكر دور اليهود في مجال السينما المصرية وفي الاقتصاد وحتي في إثراء المناخ الفكري والوقوف ضد الصهيونية قلة من اليهود قاموا بأدوار وطنية مشهودة مثلما أشار فيلم أمير رمسيس.
والسؤال المحير: لماذا هذا الرواج واليقظة الفنية إزاء موضوع اليهود الآن؟؟ أليس للتوقيت الزمني ولظروف المرحلة التي نعيشها وزخم الصراع المتأجج مع إسرائيل المحتلة للأراضي الفلسطينية وممارساتها العنصرية البربرية ضد الشعب الفلسطيني أليس لهذا اعتبار عندما نتأهب لإنتاج عمل سياسي بالضرورة يتناول حارة اليهود واليهود المصريين وأغلبهم تعاون مع إسرائيل؟!.. وهل نفعل مثلما فعل عصام العريان. نناشدهم العودةپونحن نعرف العلاقة التي تكشفت بين الجماعة وإسرائيل وحماس؟
لماذا الآن فعلاً؟ هل صار الكلام عن تاريخ اليهود في مصر موضة وموضوعا رائجا ومضمونا لتسويقه وعملا فنيا تجاريا مجدياً؟
لقد أثار "العريان" الإخواني ضجة وجدلاً بتصريحه الخبيث وأثار أمير رمسيس بفيلمه شهية كثيرين للكلام والفيلم نفسه حقق نجاحاً ملحوظاً في الداخل والخارج.
وعلي أي حال فالموضوع مهم والأهم ألا يختلط التاريخ بالغرض وعلينا أن ننتظر فربما نحظي بمفاجأة فنية تملأ الفراغ بالنسبة للمسلسل التاريخي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف