نبيل فكرى
مساء الأمل .. رد التأمين الصحي: "موت يا إبراهيم"
اسمه إبراهيم صقر.. أعرفه منذ سنوات بعيدة.. دائم الاعتداد بنفسه.. كريم مع "طوب الأرض".. مقبل علي الحياة بلا حدود.. أجزم بأنه لم يكلف الدولة مليماً منذ أن وُلد حتي الآن. وبالرغم من أنه موظف بالأزهر الشريف منذ قرابة 35 عاماً. ولديه تأمين صحي. لم أسمع أنه ذهب يوماً للتأمين الصحي. إلا في تلك الأيام عندما بات العبء فوق احتماله. بعد أن أصابه مرض عضال. لم تعد تكفيه بضعة مئات من الجنيهات. ولا ابتسامة أو "قعدة حلوة". فقد ودع كل "القعدات الحلوة". منذ أن حل المرض.
ظن إبراهيم أن بإمكانه اليوم أن يحصل علي بعض حقه. فتقدم للتأمين الصحي بالبحيرة يطلب دواء للأورام كتبه له الأطباء بعد رحلة أنهكته بين الإسكندرية والبحيرة والقاهرة. طاف فيها علي الأساتذة. ومنهم الأستاذ الدكتور هشام الخياط أستاذ الكبد بالقاهرة.. كان الحل الأخير دواء. ثمن العلبة منه أكثر من 11 ألف جنيه. والمفترض أنه بحاجة إلي 12 علبة تقدم للتأمين الصحي. ووافقوا في البحيرة. لكنهم حولوا طلبه إلي القاهرة. وبعد أيام من الأمل والرجاء. أخبروه بأن طلبه تم رفضه في القاهرة. لأن تأمينه ليس من الفئة الأولي ولا الثانية.. هو فئة رابعة كما قال لي إبراهيم.. باختصار كانت رسالة التأمين الأخيرة: "موت يا إبراهيم فموتك لن يكلفنا تلك الآلاف".. مُت فالموت أرخص وأسهل وأهون.. مت فأنت لست فناناً ولا راقصة لتعالج علي نفقة الدولة.. أنت رجل بالأزهر.. سترحل كما عشت.. صامتاً.. صابراً.. مت فلن يحدث موتك جلبة ولن يتظاهر أحد من أجلك.. مت فليس لك قريب كبير في التأمين الصحي يستصدر لك قرار علاج علي نفقة الدولة. من تلك القرارات التي كان يصدر منها في عهود بائدة آلاف القرارات.. مُت فنحن لم نشعر بك طوال سنين مضت فلماذا تريد أن تشغلنا بك الآن.
إبراهيم والد لابن وثلاث بنات.. هو عالمهم.. هو كل مصر بالنسبة إليهم.. هو لم ييأس بعد فأطباؤكم من كتبوا الدواء.. اعطوه الدواء حتي لو كان مسكناً فحقه أن تسكت آلامه.. اعطوه الدواء فقد أعطاكم الكثير.. هتف للعلم وغني "بلادي" وبكي من أجل مصر.. هو يحبها أكثر من أولئك الجبارين المتغطرسين.. هو لم يسرق المليارات ولم يستبح مال البلاد.. هو قانع في بيته الصغير تكفيه شربة ماء وابتسامة ولده وحضن ابنته.. هو كل الدنيا لأولئك الذين تريدون أن تسلبوهم دنياهم.
في أكثر من مرة. عتب عليّ أصدقاء أنني لا أكتب عن الأمل في زاوية عنوانها "الأمل". ولكن والله هذا الذي أكتب فيه هو عين الأمل.. تلك رغبة مني أن أفتح نافذة في جدار أصم وأسود لبائس يظن أنه قابع في ذاك الركن وحده.. إبراهيم وكثيرون مثله. هم صناع الأمل عبر سنوات طويلة. وحقهم اليوم أن نكون إلي جوارهم.
لا أدري كم يقرءون زاويتي.. لكنني لهذا "التأمين" الجائر.. لكل قساة القلوب المغلفة صدورهم وعقولهم وعيونهم.. لكل من يريدون أن يسدوا علينا "عين الشمس". أقولها صرخة من القلب: لا تمت يا إبراهيم.. لا تمت لأنك كثير عندنا.. لا تمت وإلا فلنمت معك.. أدعو الجميع وأبدأ بنفسي وبالأصدقاء. أدعو الباحثين عن أمل أن يعيدوا لإبراهيم الأمل.. سنشتري لك الدواء بإذن الله.. فلتعش وإن مُت فتمت ولديك أمل.
** ما قبل الصباح
إلي الدكتور محمد علي سلطان محافظ البحيرة: كنت أول من طلب منه إبراهيم جرعة من الدواء. ووعدت خيراً. ودائماً يسألني إبراهيم: بماذا رد "كبير العائلة".