مؤمن الهباء
شهادة .. شراء الولاء السياسي
لا أدري كيف مر هذا التقرير الصحفي مروراً هادئاً دون أن يحدث ردود الأفعال الواجبة.. بل دون أن ينتبه إليه أحد.. فلم تتقدم أي جهة للتحقيق فيما ورد به من معلومات.. ولم يعلق عليه أحد رغم مضي ما يقرب من أسبوع علي نشره في صحيفة "الجمهورية".. حيث نشرته يوم السبت الماضي ـ 13 فبراير ـ في صحفة "بولوتيكا" التي يقدمها الزميل صفوت عمران تحت عنوان "فضيحة جديدة في البرلمان.. أحزاب سياسية ورجال أعمال يحالون شراء ولاء النواب مقابل المال".
هذه الظاهرة ـ الفضيحة ـ إن صحت وقائعها تكشف عن حالة غير مسبوقة من الفساد والإفساد السياسي في مصر.. فقد عرفنا وتأقلمنا من قبل مع ظاهرة شراء الأصوات ورشوة الناخبين.. وحاربنا كثيراً لقطع دابرها وفشلنا لأن الغواية كانت أقوي.. وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة عرفنا ظاهرة شراء المرشحين لكي يخوضوا السباق باسم حزب معين أو رجل أعمال معين يريد أن يكون له وكلاء داخل مجلس النواب.. ورغم كثرة وخطورة ما كتب في هذا الشأن صراحة وبالأسماء إلا أن أحدا لم يكلف خاطره بالتحقيق في صحة الوقائع التي تحولت إلي ظاهرة تهون إلي جانبها ظاهرة شراء الأصوات ورشوة الناخبين.
الجديد في تقرير "الجمهورية" هو ظاهرة شراء الولاء ـ ولاء النواب ـ داخل البرلمان أيضاً لحساب حزب معين أو رجل أعمال معين يريد أن يزيد من وكلائه ويضمن لنفسه كتلة تصويتية مؤثرة تحت القبة يوجهها كيفما يشاء تحقيقاً لمصالحه.. ومن ثم يتحول الأداء داخل المجلس إلي صراع مصالح وتخليص حسابات بين الحيتان الكبيرة التي تملك المال والنفوذ وليس صراع سياسات أو منافسة بين مبادئ اليمين واليسار مثلاً كما يحدث في كل الدنيا.. وهو ما يعني صراحة إفساد الذمم وتسميم الحياة السياسية الهشة والعودة إلي سيطرة رأس المال علي الحكم.
يقول التقرير: "ظاهرة شراء النواب وضمان ولائهم للحزب وعدم الخروج عن توجهاته كانت أحد الاتهامات التي طالت الحزب الوطني المنحل فهل تعود الظاهرة ونري أحزاباً تسعي لشراء ولاء بعض النواب لضمان مساندتهم لمواقف الحزب والمشي علي خطاه ودعمه داخل البرلمان عبر منحهم مرتبات شهرية تتراوح ما بين 5 آلاف جنيه للنائب الجديد غير المعروف إعلامياً وتصل إلي 20 ألف جنيه شهرياً للنائب المخضرم أو المعروف إعلامياً.. ووصل الأمر إلي تمويل إيجار مكتب لبعض النواب في دوائرهم.. والأمر لا يقتصر علي النواب الحزبيين فقط بل امتد إلي النواب المستقلين فيما يعرف بشراء الولاء.. وهو أسلوب خبيث للتحايل علي الدستور الذي يمنع تغيير الصفة الحزبية".
ويزيد التقرير الأمر توضيحاً فيقول: "إن بعض الأحزاب التي حصدت مقاعد بأموال طائلة تسعي الآن إلي زيادة عدد نوابها بضم آخرين من النواب المستقلين.. والأحزاب التي خرجت صفر اليدين في الانتخابات تسعي إلي تكوين تكتل نيابي غير معلن لدعم مصالح أصحابها.. علاوة علي أن بعض رجال الأعمال بدأوا في استقطاب عدد من النواب مقابل ضمان ولائهم".
هذا تحول خطير في الممارسة السياسية.. وتوظيف أخطر للمال السياسي الذي صار لاعباً أساسياً ومؤثراً علي الساحة.. والشعب كله يعرف أن هناك بعض رجال الأعمال لا يكتفون بما يحققونه من مكاسب رهيبة ويتطلعون إلي تشكيل احتكارات سياسية إلي جانب الاحتكارات الاقتصادية بما يضمن لهم التحكم في دفة العمل البرلماني.. التشريعي والرقابي.. وبناء سلطة موازية خارج نطاق الدستور والقانون.
وقد يقال إن في أمريكا والدول الديمقراطية لوبيات سياسية مؤثرة.. وهذا صحيح.. ولكنها تلعب دورها في العلن.. ومعروفة توجهاتها.. أما عندنا فالأمور تسير في الظلام.. والأيادي تعبث في الخفاء.. وهذا ما ينقلها من خانة العمل المشروع إلي خانة المؤامرة.