الأخبار
حلمى النمنم
أتمني أن تكتمل المهمة بجمع القصص القصيرة التي كتبها
نُشر في ملحق الأخبار - أمس الخميس - أن قطاع الثقافة في مؤسسة «أخبار اليوم» بصدد نشر «يوميات الأخبار» التي كتبها الأستاذ محمد حسنين هيكل بين عامي 1955 / 1957 في كتاب، وذلك واجب توثيقي مهم يحسب لأخبار اليوم ولقطاع الثقافة بها، ولكنه ليس كل الواجب، أتمني أن تكتمل المهمة كذلك بجمع القصص القصيرة التي كتبها هيكل ونشرت في وقت مبكر في حياته بمجلة «آخر ساعة» ؛ فضلاً عن المقالات التي كان يكتبها بحس أدبي في «آخر ساعة»، أثناء عمله بها.

والحق أن يوميات الأخبار، خاصة في سنواتها الأولي، تحتاج جمعاً وتوثيقاً، هذه اليوميات كان يكتبها الحكيم والعقاد والمازني وإبراهيم المصري ود. هيكل ومحمد حسنين هيكل وآخرون، وهي نموذج للكتابة الأدبية والصحفية، البسيطة، المتنوعة والقريبة من الهموم اليومية والإنسانية، للمواطن العادي.

التوثيق مهم ليس بخصوص هيكل فقط، ولا مؤسسة أخبار اليوم وحدها، لكنه مهم للدارسين والباحثين، فضلاً عن الصحفيين والقائمين علي المؤسسات الصحفية كلها، ذلك أن تجربة الأستاذ هيكل في الأهرام حملت بعض بصمات أخبار اليوم، الاستعانة بكبار الكتاب تجربة بدأتها «أخبار اليوم»، وكان الأستاذ مصطفي أمين يفاخر أنه حين أسس أخبار اليوم مع توأمه علي أمين، كان يدفع لكبار الكتاب مبلغ أربعمائة جنيه شهرياً، نظير مقالاته، وكان ذلك مبلغاً ضخماً جداً وقتها، لكن هيكل في الأهرام استقدمهم نهائياً، وخصص لهم دوراً بأكمله، هو الدور السادس، وأتاح لهم فرص كبيرة واسعة للنشر وللسفر، وتفاعلوا ليس مع القراء فقط، ولكن مع صناع القرار. وربما تكون حالة توفيق الحكيم هي الأبرز في هذا الصدد. كان الحكيم من كتاب «أخبار اليوم» منذ تأسيسها، وكان كاتباً من الخارج، لكنه في الأهرام صار له مكتب وسكرتارية وزوار يترددون عليه يومياً، يلتقي شخصيات دوليه وتلتقيه، فضلاً عن تواصله مع كبار القيادات في الدولة، حتي الرئيس نفسه.

المعني الأبرز في ذلك كله أن علاقة التأثير والتأثر كانت قائمة بين المؤسسات الصحفية، رغم المنافسات الحادة التي كانت بينها، ورغم الخبطات الصحفية التي كانت كل مؤسسة تحرزها علي حساب منافستها، ومن يقرأ يوميات «محمد التابعي» يجد أن لقاء أسبوعياً كان يجمعه مع فكري أباظه، رئيس «تحرير المصور»، رغم المنافسة الحادة بين «المصور» و»آخر ساعة» التي أسسها وترأس تحريرها «التابعي»، وكذلك اللقاء الأسبوعي مع صاحب الأهرام، لكن لأسباب عديدة حدثت حالة أشبه بالقطيعة بين المؤسسات، وإن شئنا الدقة انكفاء كل مؤسسة علي ذاتها، فكان أن تراجعت حيوية الصحافة ومؤسساتها.

وحين نتأمل تألق هيكل وبراعته الصحفية والمهنية، فلابد أن واحدة من أسبابها تعدد التجارب الصحفية التي مر بها من الجازيت إلي روز اليوسف ثم آخر ساعة فأخبار اليوم ثم الأهرام، والواقع أن ذلك حال أقرانه، إحسان عبد القدوس بدأ في روزاليوسف ومر عابراً بدار الهلال ثم المصور والإثنين في دار الهلال ثم أخبار اليوم فالأهرام وهكذا، والشيء نفسه يمكن أن نقوله عن مصطفي أمين، الذي بدأ في الأهرام ثم ترأس تحرير الإثنين في دار الهلال وبعدها مؤسسة أخبار اليوم ثم الهلال بعد التأميم، وكذلك أحمد بهاء الدين الذي مر بمعظم المؤسسات الصحفية تقريباً، لكن اليوم يبدأ الشاب عمله في مؤسسة لا يبرحها حتي يوم خروجه إلي المعاش، فتكون حصيلة كفاءته وخبرته مدرسة أو أسرة صحفية بعينها، صحيح أن العمل بالصحف العربية في العقدين الأخيرين أتاح للكثيرين تبادل الخبرات، لكنها ليست بنفس مستوي الأجيال السابقة.

تجربة هيكل الصحفية تحتاج أن تدرس، ولكن لن يتحقق ذلك دون توثيق، وأظن أن ما يعد له قطاع الثقافة في أخبار اليوم هو بداية جيدة، يجب أن تتبعها خطوات أخري، ليس من أخبار اليوم وحدها، لكن من مختلف المؤسسات الصحفية.

وأتمني لو أن نقابة الصحفيين أولت هذا الأمر اهتماماً، حفاظاً علي ذاكرة هذه المهنة العظيمة، وتذكيراً برموزها الكبار، الذين أضافوا لها الكثير، واكتسبوا لها قدراً كبيراً من الاحترام والتقدير، والأهم من ذلك كله «المصداقية»، لدي الرأي العام ولدي صناع القرار في مصر وفي منطقتنا العربية، بل وفي العالم كله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف