عبد الرحمن فهمى
الجنازة التي سار فيها الملك
يقول التاريخ ان لا ملك ولا خديو في تاريخ مصر سار في جنازة ما إلا مرة واحدة لها قصة في بداية ثورة يوليو 1952 كانت جريدة "المصري" أكبر الصحف انتشارا هي الصحيفة الوحيدة المتحمسة للثورة.. بل حتي قبل الثورة بشهور.. وكان منزل اصحاب الجريدة 5 شارع أحمد حشمت في الزمالك هو قاعدة الانطلاق حيث الاجتماعات اليومية وطباعة المنشورات.. وكانت انتخابات نادي القوات المسلحة هي أول مواجهة شبه علنية بين الثورة والملك فاروق وسقط مرشح الملك حسين سري عامر سقوطا كبيرا امام مرشح الثورة محمد نجيب.. وكان للمنشورات دور كبير.
ثم كانت الضربة الكبري للملك بعد ذلك حينما اسند رئاسة الوزارة لنجيب الهلالي علي أن يكون حسين سري عامر وزيرا للحربية الذي يعرف اسماء كل الضباط الاحرار وكان مقررا محاكمة عسكرية صورية قبل الحكم بالاعدام.
علم بذلك المرحوم أحمد أبوالفتح رئيس تحرير "المصري" بحكم تواجده في هذه الاثناء في بولكلي مقر الوزارة الصيفي بالإسكندرية فاتصل بزوج شقيقته ثروت عكاشة تليفونيا وابلغه بالاخبار وطلب منه قيام الثورة فورا.. لأن بعد حلف اليمين في قصر رأس التين في الصباح سيقوم حسين سري عامر بالمهمة فورا!!
فقامت الثورة فورا.. حينما ذهب يوسف صديق ومعه زغلول عبدالرحمن إلي مقر الوزارة في شارع الخليفة المأمون واعتقل رئيس الاركان وكل الضباط المتواجدين في الوزارة وتم ايداعهم في كلية اركان حرب المواجهة علي الرصيف المقابل للوزارة.
وقامت الثورة..
واستمرت العلاقة بين جريدة "المصري" واصحابه وبين رجال الثورة.. علاقة مصير.. لقد كان نجاح الثورة هو نجاح بل بقاء للجريدة.. قالها أحمد ابوالفتح اكثر من مرة سواء عبر ميكرفون الإذاعة أو في الصحف الاجنبية.. كان جمال عبدالناصر ورجاله يسهرون كل ليلة في "حديقة الجريدة" حيث الاجتماع بكبار الصحفيين والمثقفين وآخرين مثل محمد محجوب رئيس وزراء السودان وحفني محمود السياسي القديم وكامل الشناوي وموسي صبري واحسان عبدالقدوس مع تناول وجبة العشاء كل ليلة.
فجأة اصيب المرحوم محمد أبوالفتح شقيق رئيس التحرير احمد ابوالفتح صديق كل رجال الثورة.. اصيب بمرض غريب.. كان المرحوم محمد ابوالفتح استاذ مادة الحشرات في كلية الزراعة ومنشيء المتحف الزراعي وكان في عز شبابه له ابن عمره خمس سنوات وبنت عمرها شهور!! كان مرضه موضع حديث جلسات المساء.. وفجأة توفي!! ثار الحديث عن ضرورة ان يشترك كل اعضاء مجلس قيادة الثورة في الجنازة ولعلاقة علي ماهر الشخصية الحميمة باشقائه قرر ان يسير كل الوزراء.
ثم كانت المفاجأة حضور صلاح الشاهد كبير الامناء ليخطر الجميع بأن القائمقام رشاد مهنا عضو مجلس الوصاية علي العرش قرر السير ايضا في الجنازة.. وانه سيقوم "صلاح الشاهد" بأنه سيتولي هذا الموضوع بنفسه.. وقد كان.. قوة من البوليس احاطت بالجنازة وقام الشاهد بتنظيم الصفوف.. الصف الأول ثلاثة فقط الأمير ومحمد عبدالمنعم وبهي الدين بركات والقائمقام رشاد مهني وخلفه كل اعضاء مجلس قيادة الثورة والصف الثالث علي ماهر والوزراء.. ثم الصحفيون والسياسيون وغيرهم.. كانت هذه الجنازة التاريخية في مارس ..1953 وكانت مانشيتات الصحف.. لأول مرة ملك مصر والسودان يرأس جنازة!