لا شك أن النفس البشرية لغز من الألغاز التي تستعصي علي الفهم.. وحاول سبر أغوارها الشعراء والأدباء وعلماء النفس، ولكنهم عجزوا عن فهم هذه النفس البشرية بدليل اختلاف النظريات والمدارس النفسية في نتائجها.. ومن هذه النفوس ما تقبل علي الحياة، وتتمني أن يمتد بها العمر إلي سنوات طويلة، لتتمرغ في نعيم الحياة ومساراتها، وهناك من الناس من تمنوا ألا يوجدوا في الحياة أصلاً.. كما قال المعري:
خير لآدم والخلق الذين خرجوا
من ظهره أن يكونوا قبل ما خلقوا
ولم يتزوج فيلسوف المعرة أبوالعلاء حتي لا يأتي بنسل يشقون بهذه الحياة كما شقي هو، وأوصي أن يكتب علي قبره:
هذا جناه أبي عليّ
وما جنيت علي أحد
وتري الفيلسوف الألماني الشهير آرثر شوبنهاور يقترب من رأي شاعرنا العربي الفيلسوف أبي العلاء، وهو لم يتزوج مثله وكان يقول عن الحياة:
ـ إنها جحيم يفوق جحيم دانتي
وكان الإمام الشافعي بجانب أنه أحد أئمة المذاهب الأربعة المشهورة.. شاعراً، ومن خلال شعره يصور ألغاز النفس البشرية، وكان يقول:
ولولا الشعر بالعلماء يزري
لكنت اليوم أشعر من لبيد
والشعر في رأيه يزري بالعلماء لأنه يجنح نحو الخيال ويبتعد عن الواقع، ويغالي في المدح أو الذم..
ومع ذلك فالإمام الشافعي يقترب في أشعاره من نوازع النفس البشرية، فهو القائل محذراً الإنسان من أن ينزلق بلسانه نحو الهلاك..
احفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الأقران
وكان يتحدث عن طبائع الناس، وهذه الطباع لا تتغير بتغيُّر العصور، وعن تجربته مع الناس يقول:
إني صحبت الناس ما لهم عدد
وكنت أحب أني قد ملأت يدي
لما بلوت أخلائي وجدتهم
كالدهر في الغدر لم يبقوا علي أحد
إن غبت عنهم فشر الناس يشتمني
وإن رأوني بخير ساءهم فرحي
وما أكثر ألغاز النفس البشرية، وما أعسرها علي الفهم.