مؤمن الهباء
شهادة -القرارات المؤلمة!!
ينتظر الناس أن تتحسن أحوالهم المعيشية.. وتتحقق أحلامهم في العدالة الاجتماعية التي وعدوا بها كثيراً.. فيفاجئهم رئيس الوزراء بأن حكومته بصدد إعلان "قرارات مؤلمة" لا تحتمل التأجيل بهدف سد عجز الموازنة ومواجهة أزمة ارتفاع الدين الداخلي إلي 3.2 تريليون جنيه.. وتبدأ ماكينة الإعلام الموجه في تهيئة الرأي العام لقبول موجة جديدة من ارتفاع الأسعار وتخفيض الدعم الذي لم يبق منه غير الفتات.. وتبرير ذلك بعناوين مريحة وجذابة مثل التوجه نحو الإصلاح الاقتصادي وتطوير الخدمات الحكومية في التعليم والمواصلات ومياه الشرب والصرف الصحي ومواجهة التحديات الكبيرة مع التأكيد علي عدم المساس بمحدودي الدخل.
وقد لا يدرك السيد رئيس الوزراء وإعلامه الموجه الذي ينتقيه بعناية أن تجاربنا الطويلة والمريرة مع موجات ارتفاع الأسعار السابقة تؤكد أن محدودي الدخل وحدهم هم الذين يدفعون فاتورة تحريك الأسعار.. وهم الذين يتأثرون ويتحملون ويزدادون فقراً وحرماناً نتيجة القرارات المؤلمة.. أما الفئات القادرة فتستطيع بسرعة أن تواجه مثل هذه الموجات وتتأقلم معها.. بل وتحقق من ورائها أقصي استفادة.
وكنا قد سمعنا كلاماً كثيراً خلال الشهور القليلة الماضية عن الانطلاقة الكبري وصناعة الأمل والطموحات العريضة التي نلمسها والعدالة الاجتماعية وضرورة وصول ثمار التنمية للمواطن العادي تحقيقاً لأهداف الثورة.. لكننا - للأسف - لم نر شيئاً من ذلك.. علي العكس ارتفعت أسعار الكهرباء أكثر من الضعف.. وارتفعت أسعار مياه الشرب والغاز والبنزين واللحوم وهبطت قيمة الجنيه 20%.. والمواطن هو الذي دفع فاتورة هذه الزيادات كلها وتدهورت أحواله الاقتصادية علي كل الأصعدة.
وفي المقابل كان الحظ دائماً إلي جانب الأغنياء وأصحاب المال والأعمال.. فمن أجلهم تم تخفيض الحد الأدني للضريبة من 30% إلي 5.22%.. وألغت الدولة ضريبة أرباح البورصة.. ورفضت فكرة ضريبة الـ 5% الاستثنائية علي الدخول الأكثر من مليون جنيه التي اقترحها رجل الأعمال سميح ساويرس لمدة 5 سنوات.. كما رفضت الضريبة التصاعدية علي الدخل وزادت قيمة دعم الصادرات في الوقت الذي تم فيه تخفيض قيمة الدعم الموجه للفئات الفقيرة.. ولا يترك رئيس الوزراء فرصة إلا ويبشرنا فيها بقرب تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي ستكون - بالتأكيد - عبئاً جديداً علي كاهل المستهلك.
ولو أن الحكومة جادة فعلاً في التزام الشفافية ومصارحة الشعب بالحقائق - كما يقول رئيس الوزراء - لذكرت أسباب الارتفاع الجنوني الذي حدث في الدين الداخلي حتي وصل إلي 3.2 تريليون جنيه.. ولماذا تلجأ إلي الاقتراض وطرح أذون خزانة ولم تسلك مسالك أخري كتلك التي تسلكها الحكومات التي تواجه ظروفاً مشابهة لظروفنا مثل محاربة الفساد بفاعلية واسترداد حق الدولة وحق الشعب من ناهبي المال العام وتجار الأراضي والحد من مظاهر البذخ والإسراف الحكومي الذي لا يتناسب أبداً مع ميزانية بلد مديون.. وخفض الدخول الفلكية التي تحصل عليها بعض الفئات بشكل يستفز مشاعر المواطنين.. والتخلص من دولة المستشارين التي لا تشير إلا بما هو سيئ وفاسد وتغلق أبواب الأمل في وجه الأجيال الجديدة.. ناهيك عن المجاملات المجانية التي قدمت وتقدم لأعضاء مجلس النواب بما ينتقص من ثقة الشعب فيهم.
وكانت الصحف قد نشرت في نوفمبر الماضي أن الحكومة تستعد لانتزاع موافقة مجلس النواب "الجديد" علي خطة لزيادة أسعار الخدمات التي تقدمها للمواطنين بنسبة 30% في المتوسط.. كما ستطلب من المجلس إقرار برنامج تخفيض دعم الطاقة الذي بدأ تطبيقه في يوليو 2014 والذي يتضمن زيادات سنوية في أسعار الكهرباء والمنتجات البترولية. رغم انخفاض أسعار البترول عالمياً.. ويبدو الآن أن هذه الخطة هي الترجمة الفعلية للقرارات والإجراءات المؤلمة.
وسوف يكون علي مجلس النواب أن يسلك أحد طريقين: إما أن يصفق للحكومة وقراراتها المؤلمة فيسقط في نظر الشعب.. أو يتخذ موقفاً صلباً يعبر عن إرادة الجماهير فيرفض القرارات المؤلمة ويجبر الحكومة علي التراجع كما فعل مع قانون الخدمة المدنية فترتفع أسهمه بين الناس.