الأهرام
عبد الغفار شكر
حق المصريين فى الصحة
تتنوع حقوق الانسان ما بين حقوق سياسية ومدنية وحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية وهى حقوق متكاملة لا تقبل تحقيق احداها على حساب الأخرى اى انها غير قابلة للمبادلة واذا كان المهتمون بالعمل العام يعطون اولوية فى اهتمامهم للحقوق السياسية والمدنية فان ملايين المواطنين يحتاجون بشدة الى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية باعتبارها ضرورات ملحة فى حياة الانسان المدنية وقد التزم بهذه الحقيقة المجلس القومى لحقوق الانسان فى مصر بتشكيله الراهن حيث انه تعامل مع كل هذه الحقوق على قدم المساواة واعطى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مكانة مهمة فى نشاطه لانها تؤثر فى حياة اغلبية الشعب المصري. ويأتى الاصلاح الصحى فى مقدمة هذا الاهتمام وقد عقد المجلس القومى لحقوق الانسان جلسة تشاورية يوم الاحد الموافق 31 يناير 2016 فى مقر المجلس لمناقشة مشروع قانون التأمين الصحى الجديد والذى جاء نتاجا لمناقشات اشتركت فيها جمعية الحق فى الصحة ووزارة الصحة، وذلك بحضور نخبة من الخبراء المعنيين بتطوير نظام الرعاية فى مصر وممثلين لوزارة الصحة والهيئة العامة للتأمين الصحى وعدد من النقابات المعنية ومنظمات المجتمع المدنى وجمعية الحق فى الصحة، وقد انطلق النقاش حول المسودة الاخيرة لمشروع القانون الصادرة من وزارة الصحة يوم 28 يناير 2016 واضعين فى الاعتبار الدستور المصرى والمواثيق الدولية التى تضمنت التأكيد على احقية الانسان فى التمتع بالرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة وهو ما اكده دستور 2014 فى المادة 18 التى نصت على انه (لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة وكفالة الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل) كما نصت على (التزام الدولة باقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الامراض، وينظم القانون اسهام المواطنين فى اشتراكاته او اعفاءهم منها طبقا لمعدلات دخولهم). مع الوضع فى الاعتبار ان تعطى الحكومة اولوية لاصدار هذا القانون وتطبيق نظام التأمين الصحى الاجتماعى الشامل الذى سيتكفل بالتغلب على المشاكل التى يعانى منها قطاع التأمين الصحى فى مصر بشكل عام، ومواجهة التحديات التى يعانى منها، خاصة ما يتعلق منها بمستوى جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، وعدم تكامل انظمة التأمين الصحي، الامر الذى يؤدى الى عدم وصول خدمات التأمين الصحى لجميع فئات المجتمع ونقص البنية التحتية المجهزة والموارد البشرية الكافية والمدربة وغيرها من المشكلات.

وقد لاحظ المشاركون ان مشروع القانون يقوم على ثلاثة اسس مهمة هي:

ـ يعد القانون نظاما تكافليا اجتماعى يقدم تغطية صحية شاملة لكل افراد الأسرة بجودة عالية، ويعفى غير القادرين.

ـ انشاء ثلاث هيئات لتطبيق القانون الجديد وهي، هيئة ادارة وتمويل التأمين الصحى الاجتماعى الشامل، وهيئة المستشفيات والرعاية، والهيئة العامة للرقابة الصحية.

ـ الفصل بين تقديم الخدمة وتمويلها والرقابة عليها.

وقد انتهت المناقشات الى عدة ملاحظات جوهرية ينبغى اعادة صياغة مشروع القانون على اساسها، من اهمها النص بوضوح على الفصل بين التمويل وتقديم الخدمة و مراقبة الأداء وضرورة وضع تعريف محدد للمقصود بغير القادرة الذين سيتم اعفاؤهم من سداد اى رسوم وعدم الاكتفاء بتعريف وزارة التضامن الاجتماعى لغير القادرين بانهم الذين يتلقون اعانة من الضمان الاجتماعى لان الفئات غير القادرة فى المجتمع المصرى اوسع من ذلك بكثير. كما كان ايضا من اهم الانتقادات للمشروع عدم الوضوح فى ان نظام التأمين الصحى الاجتماعى الشامل نظام الزامى يقوم على التكافل الاجتماعى وتغطى مظلته جميع المواطنين داخل البلاد وتتحمل الدولة اعباءه عن غير القادرين تدريجيا وان يكون تعريف غير القادرين وفقا للحد الاعلى لخط الفقر الذى يقوم بحسابه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاصلاح مع ايضاح موقف الفلاحين ووضعهم فى القانون. و اضفاء طابع ديمقراطى على ادارة هذه العملية بتشكيل جمعية عمومية للتأمين الصحى من ممثلى المنتفعين من كل فئات العاملين من خلال نقاباتهم وهيئاتهم التمثيلية. وتشكيل مجلس ادارة منتخب من الجمعية العمومية يضم خبراء الادارة والتمويل بالاضافة الى ممثلين للعمال والفلاحين والموظفين واصحاب المعاشات وكذلك المجتمع المدني.

وقد اكد المجلس القومى لحقوق الانسان فى سياق هذه المناقشات بان يتم تطبيق نظام الجودة وفقا للمعايير الدولية بالمستشفيات والمرافق الطبية بكل محافظات الجمهورية وان يتم الاسراع فى تنمية مهارات وتحسين اوضاع الاطباء و هيئات التمريض والعاملين فى القطاع الصحى ورعاية حقوقهم المادية والادبية. والعمل فى نفس الوقت على وضع خطة لتطوير التعليم الطبى وفقا لمعايير الجودة العالمية والتوسع فى تخصصاته، مع اهمية الاسراع باصدار هذا القانون للتأمين الصحى الاجتماعى الشامل من مجلس النواب وان يراعى فى تحديد اشتراكاته القدرات المالية للمشترك وتتحمل الدولة قيمة الاشتراك لغير القادرين على ان يتم تعريفهم فى القانون.

ومن الجدير بالذكر ان المشاركين فى هذه المناقشة اوصوا بان يطرح مشروع القانون بعد تنفيذ هذه الملاحظات للنقاش المجتمعي. هذا نموذج لاداء المجلس القومى لحقوق الانسان والذى ينتقده البعض بالنسبة لحالة حقوق الانسان السياسية والمدنية ولا يهتمون بادائه فى مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف