قالت «الداخلية» فى وصف واقعة «قتيل الدرب الأحمر» إنه أثناء قيام أمين شرطة بصحبة أحد معارفه، بشراء بعض البضائع من المنطقة بمحيط المديرية، وأثناء تحميل تلك البضائع بسيارة ماركة «سوزوكى»، قيادة «محمد عادل إسماعيل»، حدثت مشادة كلامية بينهما، قام أمين الشرطة على أثرها بإخراج سلاح نارى عهدته، لفض الاشتباك، إلا أنه خرجت طلقة نتج عنها مقتل قائد السيارة. لعلك تابعت باقى تفاصيل الحادث، وكيف حاول الأهالى الفتك بالأمين وقريبه، لكن الأمين أفلت، فانتقموا من قريبه وأصابوه بإصابات بالغة. ما حدث يقول إننا أمام كارثة ساقنا إليها تراخى السلطة فى مواجهة مشكلة ما اصطلح على تسميته بـ«دولة الأمناء»!.
تراخى السلطة هو الذى دفع أمين الشرطة إلى قتل المواطن، وظنى أنه فعل فعلته وفى مخيلته سجل الحوادث اليومية لاعتداء الأمناء على المواطنين، دون أن يعاقبهم أحد، ودون أن يعاقب منهم أحد، حتى ولو قتل، فالتحريات تحرياتهم والدفاتر دفاترهم، وأى قضية من قضايا اعتداء شرطيين على مواطنين، تصل مهلهلة إلى منصة القضاء، فتكون النتيجة الطبيعية أن يخلو الحكم من الإدانة، طبقاً لما تقوله الأوراق التى يحكم بها القاضى، يكفى أن تراجع بيان الداخلية فى واقعة «قتيل الدرب الأحمر»، والتى تم تكييفها من البداية على أنها «قتل خطأ»!. هذه الحالة أغرت الكثير من الأمناء بالتجاوز، وفعل ما يحلو لهم فى الشارع المصرى، وهم ضامنون أنهم يعملون فى حماية السلطة، وكانت النتيجة أن تحولت جرائم الضرب والسحل والتحرش والاغتصاب والقتل من جانب هذا القطاع الشرطى، إلى ظاهرة حقيقية، فكيف نسمى الأشياء ونحن نعيش كل يوم واحدة من وقائع اعتداء أمين شرطة على مواطن أو مواطنة، إلا باسمها الحقيقى؟ إنها حقاً ظاهرة تؤكد قاعدةً تقول: من أمِن العقاب أساء الأدب.
تراخى السلطة هو الذى دفع الأهالى إلى محاولة الفتك بأمين الشرطة القاتل وقريبه بأيديهم، دون احترام للقانون، لأن أغلبهم لم يعد يثق فى أن أى معتدٍ من هذا القطاع ينال جزاءً عادلاً. إنهم ببساطة «حماية». مصطلح «حماية» هذا يذكرنا بالأجانب زمان، الذين كانوا يفعلون ما يفعلون فى المواطنين البسطاء، وعندما يتعرض لهم أحد باتهام يردون عليه بكلمة واحدة: «إحنا حماية»!. لقد رفض الأهالى الاستجابة لنداءات ضباط المديرية بتسليم الجانى إليهم، بسبب قناعتهم بأن دخوله المديرية ووجوده وسط أبناء مهنته يعنى منحه أعلى درجات الأمان، والإفلات بما فعل.
لقد حذرت أكثر من مرة من خطورة هذه الممارسات على استقرار الأوضاع فى مصر. وآخر ما ذكرته نصاً فى هذا السياق: «التعامل مع فئة معينة من المصريين على أنهم فئة ممتازة تستطيع أن تنال من غيرها، دون أن تحاسب، مسألة أصبحت خارج الواقع، فكل فئة تملك أوراقاً للضغط. وليس من الحكمة فى شىء أن تسمح السلطة بوضع هذه الفئات فى مواجهة بعضها بعضاً؛ لأن كل الأطراف ستخسر، والخسارة الأكبر سوف تحيق بالسلطة. جهاز الشرطة يريد أن يعود إلى سابق ممارساته، تلك الممارسات التى كانت سبباً مباشراً فى وقوع نظام «مبارك»، والسماح لهذا الجهاز بالاستمرار على هذا النحو من الأداء يعكس تفكيراً تقليدياً ينذر بنهاية شبيهة. الاحتياط واجب يا سادة!. مستقبل السلطة أصبح فى قبضة الشرطة.