الوطن
اشرف عبد الغنى
«المواطن عايز كده»
(1)

فى عالم الكتابة: ليس هناك أسهل من الهجوم على النظام.. أى نظام، وليس هناك أصعب من الدفاع عن النظام.. أى نظام.

تلك هى المعادلة الحاكمة على صفحات جرائدنا ومواقعنا الإلكترونية: هاجم تصبح نجماً.. دافع يأفل نجمك. وفقاً لتلك المعادلة، يمكنك أن تتحول من صحفى «مغمور» إلى كاتب «مشهور» من أول عمود، وتجد طريقك السهل إلى «قلب» القارئ -وليس عقله- مفروشاً بجملة «ينصر دينك يا أستاذ خليفة»، حتى لو غاب عنك المنطق وتاهت منك الحقائق. المهم أن تضع -عفواً- العقلية الشوارعية فى قلب قلمك. تهاجم بضراوة، وتسخر فى كل اتجاه، وتبشر -وأنت مستريح البال- بأن الثورة مقبلة لا محالة.. مهما كانت الكوارث.

العكس صحيح أيضاً وفقاً للمعادلة نفسها. حاول مرة أن تدافع عن أى قرار نظامى، ستلاقى -مهما امتلكت من حجة ومنطق- أمواجاً من الهجوم: أيها «الطبال».. المتلون.. الآكل على كل الموائد.. الخائف من سيف المعز، باحثاً عن ذهبه. عندها، ستكتشف أنه «مفيش فايدة»، وأن «الصوت العالى» أصبح قادراً على هزيمة «صوت العقل» بالضربة القاضية.. ومن أول جولة.

(2)

فى بلد تتغلب فيه «ثقافة القطيع» على «ثقافة المنطق»، يصبح الأمل فى الحصول على مستقبل أفضل ضرباً من المستحيل.

فى بلد تلهث فيه النخبة خلف «ما يريده المواطنون»، فيجعلون من نظرياتهم «سابقة التجهيز» مطية لـ«ركوب» موجة «المواطن عايز كده»، يصبح الأمل فى الحصول على أفكار تدفع للتقدم والبناء وليس التخلف، وهدم ما تبقى من ثوابت. فى بلد أصبحت فيه المفاضلة بين السيئ والأسوأ.. وغالباً ما يكون القادم هو الأسوأ، يصبح العثور على «قيادات ملهمة» -لا يتحقق أى تقدم دونها- كمن يعثر على جنين داخل سيدة خُلقت بلا رحم.

فى بلد يعتمد فيه الإعلاميون على «الشرشحة»، والسياسيون على «النفاق»، والاقتصاديون على شعار «عُك وربك يفُك»، والمسئولون على «تعليمات السيد المسئول الأعلى فلان الفلانى»، والمواطنون على «أنا سمعتهم بيقولوا إن الحكومة هتعمل كيت وكيت»، يصبح الأمل فى النجاة من الغرق فى قلب المحيط يعتمد على الإمساك بـ«كورة بينج بونج».

(3)

الوضع الآن غاية فى «التشابك»، تقودك الأجواء «المضطربة» -خوفاً على الوطن- إلى حافة الانهيار يأساً بداخلك، وذلك أخطر ما يمكن لـ«خائف على مصر» أن يتعرض له، لأنه يمثل حصن الحماية الأخير، فما بالك بهذا الحصن الأخير يعلن استسلامه لجملة اليأس الشهيرة: «مفيش فايدة».

انظر معى إلى المشهد خلال الفترة الأخيرة، وتذكّر: رئيس نادٍ يحلف بـ«رحمة أمه» أنه لن يلعب المباراة المنتظرة على الملعب الفلانى.. رئيس الدولة يذهب لافتتاح مشروعات خدمية محذراً من خطورة الأوضاع الاقتصادية فتسلط جميع الكاميرات الإعلامية الضوء على «السجادة الحمراء».. تنظر إلى وجوه نواب البرلمان وكلماتهم وأفكارهم والقضايا التى يطرحونها بحثاً عن «سلطة الرقابة»، فلا تجد إلا «السلطة».. تذهب إلى مستشفى، فتجد الأطباء -مثلما عامة المواطنين- يتعرضون لـ«عملية اعتداء واسعة النطاق من «سيادة أمناء الشرطة»، وعندما بحثوا عن «الحماية» من جانب سلطة القضاء لم يجدوا فى انتظارهم إلا «القضاء والقدر». تلك المشاهد لا تقود الناس إلى «ثورة ثالثة»، وإنما تقودهم إلى «حالة يأس دائمة»، فأنقذوهم وأنقذوا الوطن يرحمنا ويرحمكم «القادر على كل شىء».

(4)

إلى السادة القابعين على كل المقاعد المهمة فى هذا البلد: البرلمان.. الحكومة.. الداخلية.. القضاء.. الجهات العليا.. استوديوهات الإعلام.. مؤسسات الصحافة. احذروا.. مقاعدكم فى خطر، وإذا استمر «مفهوم الاستقرار» بأنه «ليس فى الإمكان أفضل مما كان» فإن مقاعدكم ستتحول إلى «فراغ».. وعندما تحاولون الجلوس عليها من جديد.. سيكون «السقوط».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف