هل استحداث قوانين جديدة ورادعة سوف يضع نهاية لتجاوزات رجال الشرطة؟.
فى منتصف السبعينيات أو فى نهايتها، عرض فى دور العرض فيلم أمريكي بعنوان: «أنا القانون»، ، كل ما أتذكره منه عنوانه والأفيش الخاص به، حيث كان ملصقا فى العديد من الشوارع، خاصة المحيطة بدار العرض، وكان بطل الفيلم واقفا وفى يده بندقية ويرتدى قبعة أمريكية، وأذكر أن بطل الفيلم كان ماهرا فى إطلاق النار، وعلى ما أذكر كان يعمل بقانونه الخاص وهو قتل الخارج علي القانون، وتحديدا الذى يشهر سلاحه ضدهم عنوان هذا الفيلم ظل محفورا فى ذاكرتي حتى اليوم، يقفز إلى ذهنى كلما تجاوز أحد رجال الشرطة ضد أحد المواطنين.
وأتذكره اليوم بمناسبة ما تردد عن استحداث قوانين جديدة وأخرى قديمة لمواجهة تجاوزات بعض رجال الشرطة، وعلى وجه التحديد بعد واقعة قتل أمين شرطة لسائق فى الخليفة رميا بالرصاص.
وللحق يمكن أن نقول إنه ليس رجال الشرطة وحدهم الذين يتجاوز بعضهم القانون، بل هناك فئات عديدة من المواطنين تضرب بالقانون عرض الحائط، وهناك من يستغل السلطات الممنوحة له فى خرق القانون، والمواطن البسيط عندما يجد فرصة لخرق القانون يخرقه دون تردد، وبشكل عام يمكن القول إن أغلبنا يخرق يوميا القانون عند كسر إشارة المرور، والتزاحم فى الطرق، تقديم رشوة لأحد الموظفين، عدم الالتزام بالطابور، قد تختلف التجاوزات من حيث الحجم والضرر والخطورة، لكن في النهاية جميعها تجاوزات، سبب هذه التجاوزات عدم تطبيق القانون أو التراخي والاستثناءات في تنفيذ القانون.
من هنا نعود للسؤال الذى سبق وطرحناه فى البداية: هل استحداث واستدعاء قوانين مغلظة قد يقضى على تجاوزات بعض رجال الشرطة؟، هل ستحد من وقائع التعذيب والاختفاء القسرى والاحتجاز والإهانة والقتل فى الأقسام والمراكز والشوارع وأمن الدولة؟، هل سيرتدع من يتجاوز خوفا من القانون والعقوبات المغلظة؟.
الإجابة ببساطة شديدة: لا، لماذا؟، لأننا فى مصر لا ننفذ القوانين، نتراخى ونستثنى، ونرفع شعار: «أنا القانون»، ففى ظنى أن المشكلة ليست فى توفير القوانين، بل المشكلة الأساسية فى تنفيذها، فالدولة متراخية وضعيفة إلى حد قيام كل فئة بحماية تجاوز ابنها، على خلفية أن معاقبته هي إهانة لأبناء الفئة أو المهنة كلها، ولنا فى بيان مديرية أمن القاهرة نموذج على إخفاء وقلب الحقائق، حيث أصدرت المديرية بيانا عقب نشر واقعة قتل أمين الشرطة للسائق فى منطقة الخليفة، تستروا فيه على المجرم، قبل أن يعرفوا تفاصيل الواقعة، أرجعوا الجريمة إلى القتل الخطأ، وبالطبع توصيف الجريمة لا يتم سوى بعد القبض على الجانى والتحقيق معه أمام النيابة، وبعد نظر القضية فى المحكمة، حيث قد توصف النيابة الجريمة بالقتل الخطأ وتنتهي المحاكمة إلى القتل العمد، مديرية أمن القاهرة قبل أن تضع يدها على المجرم أخفت الحقائق وفبركت الواقعة لمساندة القاتل.
على أية حال الحكومة مطالبة قبل أن تستحدث القوانين، بأن توفر آلية حقيقية لتنفيذ القوانين، آلية لا تسمح بقلب الحقائق وفبركة الوقائع، فما فائدة تنفيذ القانون والجهات المنوط بها توصيف الجرائم تخفى الحقائق وتفبرك الوقائع.