مؤمن الهباء
شهادة -حكايات الفهلوي المصري
* تري.. ما الذي يدفع طالباً أزهرياً في كلية الصيدلة ـ كلية المتفوقين ـ إلي ادعاء حصوله علي المركز الأول في مسابقة عالمية لحفظ القرآن بماليزيا؟.. لماذا ـ إن صحت الرواية ـ يتورط هذا الطالب في كذبة كهذه رغم ذكائه وتفوقه؟! هل كان مدفوعاً بطموح جارف ورغبة محمومة في الشهرة السريعة أم انه لم يقدر العواقب.. أم انها الفهلوة المصرية؟!
* وبنفس المقياس.. ما الذي يدفع وزيراً إلي السطو علي انجاز وزير سابق له.. ونسبة هذا الانجاز لنفسه.. مع ان الوزير الأسبق مازال حياً يرزق أمد الله في عمره؟!.. لقد اضطر إلي تغيير تاريخ صدور "موسوعة الحضارة الإسلامية" من 2005 إلي 2014 ورفع اسم الوزير الذي أعدها وقدمها لكي ينسب الإعداد والتقديم لنفسه وهو يعرف ان ما يفعله حرام لا يرضي الله ورسوله.. هل كان هو الآخر مدفوعاً بطموح جارف فلم يقدر العواقب؟.. أم تصور ان أحداً لن يكتشف فعلته.. أم انها ـ مرة أخري ـ الفهلوة المصرية المعروفة منذ جدنا الأكبر رمسيس الذي كان يمحو نقوش المعابد التي تسجل الانتصارات لكي ينسبها لنفسه؟!
* وفي سقطة تاريخية مدوية.. أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاباً عن "شاعر السيف والقلم.. محمود سامي البارودي.. لكنها وضعت علي غلاف الكتاب صورة الخديو عباس حلمي الثاني.. وهو ما أكد ان هيئة قصور الثقافة.. ووزارة الثقافة.. لا تعرف الفرق بين الخديو ورائد النهضة الحديثة في الشعر العربي.. ولم تسأل لتعرف وإنما اعتمدت علي الفهلوة المصرية التليدة.
* ومن حكايات الفهلوة أيضاً.. شاب يدعي يوسف السيد راضي ظهر مع برنامج صاحبة السعادة كمواطن عصامي يدرس في كلية التجارة ويعمل في المهنة التي ورثها عن والده كبائع للفريسكا في وسط البلد.. الأمر الذي أدي إلي حصوله علي تعاطف الرأي العام معه.. ثم اكتشفنا انه يظهر بأكثر من شخصية.. فهو تارة مقدم لبرنامج الكاميرا الخفية.. وتارة أخري بائع جندوفلي.. ثم نشرت له صورة مع فتاة وتبدو عليه علامات الثراء.. وصورة أخري يرتدي فيها زي ضابط وليس بائعاً متجولاً كما ادعي.. وحتي الآن لا نعرف حقيقته.
* في أواخر العام الماضي أرسل المنتخب الوطني لكرة القدم للمكفوفين فريقاً مزيفاً للمشاركة في بطولة العالم للمكفوفين في بولندا.. ولكن سرعان ما اكتشف التزوير وتحول إلي فضيحة دولية بعد ما تبين ان المسافرين في هذا الفريق حاصلون علي دبلوم المدارس الصناعية وأدوا الخدمة العسكرية.. ومعروف ان المكفوفين لا يلتحقون بالمدارس الصناعية ولا يؤدون الخدمة العسكرية.. وعندما تم توقيع الكشف عليهم اتضح انهم جميعاً مبصرون.. وكان المقصود من هذه الكذبة تسهيل خروج هؤلاء الشباب من مصر ليعملوا في الخارج. حركة فهلوة وخفة دم.. وقد قرر الاتحاد المصري لذوي الإعاقات إحالة القضية للنائب العام للتحقيق.
* وظهرت الفهلوة المصرية في بلاد ما وراء البحار علي يد إمام مسجد سيدني باستراليا صاحب الفتوي الشهيرة بأن الإسلام لم يحرم الخمر وإنما حرم السكر فقط.. هذا الشيخ ـ مصري الجنسية ـ ادعي انه حصل علي الدكتوراة من جامعة الأزهر عن رسالة بعنوان: "الحجاب ليس فريضة إسلامية".. لكن سرعان ما خرجت مشيخة الأزهر تنفي فتواه وتتبرأ منه ومن رسالته.. وتؤكد انه لم يتقدم من الأساس بطلب للدراسات العليا.
* المرة الوحيدة التي تمنيت فيها أن تنجح الفهلوة المصرية كانت عندما أصدرت الحكومة قرارات بمضاعفة الرسوم الجمركية علي كثير من السلع المستوردة للحد من فوضي الاستيراد والحفاظ علي سعر الدولار وقيمة الجنيه.. ولكن للأسف خاب ظني وفشلت الفهلوة المصرية هنا أيضاً.. فلم يمر أسبوعان علي القرار وانطلق الدولار منفلتاً من عقاله حتي ناهز العشرة جنيهات.
هل نجرؤ بعد كل هذه التجارب علي الاعتراف بأخطائنا في الفهلوة.. ونحرق هذا الاختراع المصري السييء مثلما أحرق صاحب اختراع "الوحش المصري" لعبته ورماها في النيل.. ورمي معها الوهم الذي سيطر عليه بأنه مخترع وعبقري؟