كمال زاخر
قراءة فى واقعنا المصرى (1)
على الرغم من أن فاتورة الثورة فى موجتيها «25 و30» كانت باهظة، فإنها كانت واجبة السداد، فاسترداد الكرامة والوطن يستحق وأكثر، وعلينا أن ندرك أنها لم تكن نزهة تنتهى كحكايات السينما أو الروايات بالنهايات الحالمة، فنحن أمام تحدٍّ مصيرى، لاسترداد منظومة قيم وأنساق حياة تم تجريفها، بامتداد ما يربو على نصف القرن، كنا فيه حقل تجارب تقلبت علينا الأنظمة المفتقرة للرؤية والخبرة، تحولت فى دوراتها المتعاقبة إلى نظم فاشية مخاصمة للديمقراطية ومقاطعة لأسباب التقدم، انقلبت على المرحلة شبه الليبرالية إلى الشمولية، ثم إلى انفتاح مترهل سرعان ما أصابه الجمود والعقم تغازله خيالات تأسيس الجمهورية الملكية، وكانت الظاهرة المتكررة أن تداول السلطة لم يكن ضمن خيارات الحاكم وقتها، والذى بقى فى السلطة حتى يقضى الله أمراً كان مقضياً، الأمر الذى جعل الديمقراطية نصاً احتفالياً فى مواثيق الحكم، حيل بينه وبين الحياة المعيشة.
وعبر هذه الأنظمة استقر فى وجدان الشارع نسق النظام الأبوى، وتم تأميم الحياة السياسية ولم تعد المشاركة لها محل فى معادلة إدارة البلاد، حتى بعد عودة الأحزاب بقرار رئاسى فجاءت استنساخاً باهتاً من التنظيم الأوحد وإن اختلفت مسمياتها، وامتد تأثير هذا حتى طال أحزاب ما بعد 25 يناير، التى جاءت متحلقة حول أشخاص لتتحول إلى «جماعة شخص» تأتمر بأمره وتدور فى فلكه.
ولم تفرز الموجة الثانية من الثورة (30 يونيو) حتى الآن كيانات حزبية تتبنى رؤيتها وتدفع بكوادرها إلى واجهة المشهد، بل تحول الإعلام، خاصة المرئى، إلى عبء على الثورة، لأنه ما زال متمسكاً بأدواته القديمة، وطموحات كوادره العقيمة والضيقة والذاتية، مع افتقاره للمهنية ليتحول إلى برامج هلامية زاعقة، تختلق معارك بعيدة عن هموم الناس وبعيدة عن تعزيز رؤية الثورة، وتكاد تتحول إلى ملاسنات خَصماً من الثورة، وتتبرع بتقديم مسوغات الهجوم عليها من المتربصين بها. وإذا شئنا تشبيهاً لحالنا نحن فى لحظة تشبه من أجرى جراحة كبرى أنقذته من موت محقق، وقد خرجنا لتونا من غرفة العمليات لكننا ما زلنا فى غرفة الإفاقة (الإنعاش) وهى مرحلة دقيقة جداً قد تنتهى بالمريض إلى الخروج إلى الحياة الطبيعية، أو الخروج منها.
لذلك، أحاول فى سطورى الاقتراب من المشهد وقراءته، حتى يستقيم المسار فليس من مصلحة أحد أن تنهار الدولة، فالبديل عودة الأنظمة الغاربة، والدخول فى نفق ممتد لا أتصور أن الخروج منه مجدداً سيكون متاحاً، وعلى كثير من النخب أن تتخلص من حالة المراهقة السياسية المرفهة التى تتلبسها.
وعلينا أن نقدر دور السيسى فى إنقاذ مصر وحمايتها من مصائر دول تفككت، فى غير التفات لإرهاب المنظرين والأيديولوجيين من رواد المقاهى السياسية، الذين يحمّلون الناس أحمالاً ثقيلة محبطة ولا يريدون أن يحركوها حتى بأصابعهم.
نعيد التأكيد على أن مصر فى خطر، وأن المفاتيح القديمة لا تفتح الأبواب الجديدة، وأن الانضباط وحده لا يكفى لإصلاح التراجع الاقتصادى. وأن دعم القيادة السياسية فرض عين، لا يجب أن نخضعه للصراعات الضيقة، ومحاولات التشكيك التى دأب عليها أعداء الثورة. الإدارة السياسية بحاجة إلى توسيع دائرة المستشارين وتنوعها، وإلى جرأة مواجهة القوانين المعوقة للإنتاج والعمل، وتغيير المجموعة الاقتصادية فى الحكومة وإسنادها إلى شخصيات اقتصادية لها رؤية سياسية، والحزم فى مواجهة الفساد وضخ الحياة فى قطاع المقاولات، وتطهير الإعلام من أبواق النفاق، وضبط منظومة الأمن وإعادة هيكلة الداخلية وتنقيتها..
ننتظر دعوة لفتح حوار مجتمعى جاد يعتمد المكاشفة والمصارحة يتناسب والخطر الذى يتهددنا.