لم تكد تمر بضع ساعات على توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى وزير داخليته اللواء مجدى عبدالغفار، بعدم التجاوز مع المواطنين، حتى تدفقت عدة أخبار متتالية تتحدث عن أمين شرطة أطلق النار على جاره فى الخصوص، وخبر آخر عن مقتل مواطن بالمنوفية على يد أمين شرطة وأشقائه، وخبر ثالث عن اعتداء ضابط شرطة بأسيوط على مواطن أمام زوجته!. ماذا يعنى تدفق هذه الوقائع عقب توجيهات الرئيس؟
تقديرى أننا بصدد حالة من حالات «فقد السيطرة»، فقد غدا أسهل شىء عند بعض أفراد وأمناء وضباط الشرطة استخدام السلاح فى وجه المواطنين لأتفه الأسباب. وثمة عوامل عديدة تراكمت منذ 30 يونيو على وجه التحديد ساهمت فى الوصول بنا إلى هذا المشهد المثير للقلق. أولها الإحساس الذى تم نقله لجهاز الشرطة عبر إعلاميين وسياسيين غير مسئولين بأن ما حدث فى يناير مؤامرة، وأن غضبة الشعب ضد الشرطة عام 2011 لم يكن لها أساس حقيقى، وأن كل ما حدث كان مؤامرة من جماعة الإخوان، وهو طرح يقفز على الواقع الذى عاشه الجميع أيام حكم «مبارك»، وتغييب لواحد من العوامل المهمة التى ساقت المصريين إلى الثورة، والمتمثل فى القمع الشرطى. هذا الإحساس الذى تكرس لدى العديد من الشرطيين هو الذى برّر لهم العودة إلى الممارسات القديمة، بعد سقوط الإخوان.
السبب الثانى «عقدة 28 يناير»، وهو وثيق الصلة بالسبب الأول، فعلينا الاعتراف بأن الشرطة تشعر بأن هيبتها جُرحت يوم جمعة الغضب. أيام «مبارك» كانت الهيبة تعنى خوف المواطن من الاقتراب من أصحاب «البدلة الميرى»، أو أقسام الشرطة، فما بالك بالأخذ والرد مع رجالها، وعلى رأسهم الأمناء الذين تعود بعضهم فى الأيام الخالية على «تقفيل» أحياء بكاملها حين يريد. يرى أفراد هذا الجهاز، وكذا العديد من المواطنين، أن هذه الهيبة كُسرت يوم 28 يناير. مشكلة جهاز الشرطة ترتبط بعدم فهم أن توجه الناس نحوه فى يناير ارتبط بطبيعة نظام سياسى كان يستخدم السلطة كعصا قمع، وأن ثورة الناس على الجهاز لا تعنى بحال عدم حيوية الدور الذى يلعبه فى حياتهم، لكنهم أرادوا نوعاً جديداً من الهيبة التى لا تتأسس على الخوف، بل على احترام حرية المواطن وكرامته، من خلال احترام القانون. وإصرار بعض أفراد الشرطة على التخلص من عقدة 28 يناير بأى صورة من الصور، وعدم التفات السلطة الحالية إلى ذلك، سوف يؤدى إلى مواجهات أكثر فداحة.
السبب الثالث يتعلق بالعنف الذى سيطر على المشهد السياسى قبل وبعد 30 يونيو 2013، وتوسع العمليات الإرهابية فى مواقع عدة من البلاد. وقد ظن بعض رجال الشرطة أن وقوفهم فى وجه الإرهاب، وهو أمر نقدره كل التقدير، سيدفع الناس إلى قبول تجاوزاتهم، ساعدهم على ذلك بعض الأصوات التى كانت تعلو بمجرد الحديث عن انتهاكات جهاز الشرطة، وإرهاب من يتوقف عند هذه الأمور بأحاديث عن تضحيات رجال الشرطة فى هذا السياق، وهى تضحيات غير منكورة، لكنها لا تبرر بحال التعدى على المواطنين. مجمل القول.. على الرئيس أن يتدخل لإصلاح هذا الملف، لأن استمرار الوضع على ما هو عليه يهدد الدولة بأكملها، ونظام الحكم فى الصدارة.. التحرك الآن، وإلا فقد يكون المقبل صعباً جداً!.