الصباح
كمال حبيب
تفاصيل الصراع بين «التنظيميين » و «الثوريين » داخل الجماعة
الانشقاق الرأسى العميق الحادث فى جسد جماعة الإخوان بين التنظيميين الذين يسعون للحفاظ على التنظيم، والذى يقودهم القائم بأعمال المرشد محمود عزت، وبين الثوريين الذين يعتبرون التنظيميين قادة فاشلين ومن ثم فلا بد من تنحيهم وفتح الباب لتغيير أوضاع الجماعة بما فى ذلك مغادرتها الحالة الإصلاحية والتربوية للحالة الثورية المفتوحة على العنف.
هذا الانشقاق ترك أثرًا واضحًا فى أداء الجماعة الفاشل فى الذكرى الخامسة لثورة يناير، والتى كان قد سبقها صخب إعلامى من قنوات الإخوان، كما صحبتها تصريحات عنترية أعطت الانطباع بأن هناك شيئًا يمكن أن يحدث، بينما مر اليوم دون أى فعل يذكر للجماعة أو المتحالفين معها الذين انفضوا عنها ولم يعودوا يثقون بها، وعلى رأسهم الجماعة الإسلامية التى اعترف بعض قادتها أن الظروف حشرتهم مع الإخوان.
كان أبرز ما جرى بعد ثورة يناير هو بيان القرضاوى الذى أصدره، والذى دعا فيه إلى تعديل اللائحة وإجراء انتخابات داخلية على كل المستويات فى الجماعة بحيث تعدل الترتيبات القيادية للجماعة على مستوى مؤسساتها المختلفة بما فى ذلك منصب المرشد العام ومكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام والجمعية العمومية للجماعة، كما طالب بيانه بوقف التراشق الإعلامى بين التيارات المتنازعة داخل الجماعة، وفتح الباب واسعًا للمرأة والشباب، وبقدر ما أكد بيان القرضاوى على حقيقة وجود خلاف داخل الجماعة، فإن البيان زاد الخلاف عمقًا بين طرفى النزاع داخل الجماعة حيث أصدرت اللجنة الإدارية العليا - جبهة محمد منتصر - تثمينها للبيان، وأنها ستعمل على الإسراع فى عمل انتخابات للجماعة على كل المستويات وجميع القيادات، ودعت إلى وقف الإجراءات السابقة التى اتخذتها اللجنة الإدارية العليا - جبهة محمد عبد الرحمن المرسى - بما فى ذلك حل مكتب إدارة الأزمة بالخارج وتعيين طلعت فهمى متحدثًا للجماعة، واعتبار محمد منتصر شاغلًا لمنصبه بقرارات خاطئة، كما اعتبرت المؤسسات التى تعمل الجماعة من خلالها حتى إجراء الانتخابات هى القائم بأعمال المرشد، وهو محمود عزت، وهو منصب مستحدث، وليس موجودًا فى لوائح الجماعة، وهو ما يعنى اعتراف جبهة محمد كمال ومحمد منتصر بقيادة محمود عزت حتى إجراء الانتخابات.
بيد أن مجموعة التقليديين والتنظيميين داخل الجماعة قبلوا بيان القرضاوى بتحفظ وقالوا إن الوضع الحالى لا يمكننا من عمل انتخابات على كل الأصعدة وأن هناك بالفعل لجنة لتعديل اللائحة، وعلى من يريد التعديل أن يرسل اقتراحاته لأخذها فى الاعتبار، وتتحرك هذه المجموعة باعتبارها المجموعة الشرعية داخل الجماعة فلها لجنتها الإدارية العليا، ولها الرابطة المصرية فى الخارج ولديها موقعها الجديد «إخوان سايت»، ولها قياداتها فى مجلس الشورى ومكتب الإرشاد وتعتبرها قيادات منتخبة، وهى تعبر عن الشرعية داخل الجماعة.
وبينما حاولت المجموعة الثورية المبادرة إلى عمل لائحة جديدة وتمريرها للموافقة عليها، فإن المجموعة التقليدية التنظيمية أصدرت بيانًا أوضحت فيه أن ما يقوم به أولئك هو عمل غير مشروع ومخالف للإجراءات واللوائح، ومن ثم فإن كل ما يترتب على ذلك لا أثر له، وهذا يعنى أن الانقسام العميق فى الجماعة وصل إلى مستوى لم يعد يمكن لبيان القرضاوى أن يوقفه أو ينهيه، فأمور التخندق والاحتراب داخل الجماعة وصلت لمستوى أكبر بكثير من أن تنهيها بيانات أو اجتماعات لقيادات من بلدان مختلفة من الأطراف المتنازعة.
وحتى الآن فإن تيار محمود عزت والقيادات التقليدية للجماعة لا يزال له الغلبة، بيد إن غلبته تلك لن تستطيع أن تعيد اللحمة لجسد يواجه حالة تفسخ حقيقية، ومن ثم فإننا أمام فريقين يختصمان، وقد بلغ الاختصام بينهما حدًا عميقًا لا يمكن تحقيق اختراقات لمصالحات فيه.
انعكس انقسام الجماعة على المؤسسات التى اعتبرتها أذرع سياسية لها فى الخارج وأهم تلك المؤسسات ما يطلق عليه «المجلس الثورى المصرى»، والذى استقال منه بشكل مفاجئ خمسة عشر عضوًا من جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية على رأسهم «عمرو دراج» رئيس المكتب السياسى للمجلس، والذى كان وزيرًا فى عهد الإخوان، ويبدو أن بيانات المجلس الثورى ومواقفه المتصلبة تجاه أى مبادرات لحلول للأزمة السياسية بين الجماعة والدولة كانت سببًا فى استقالة أولئك الأعضاء، وكان من بين تلك المبادرات ما عرف باسم «مبادرة عمرو حمزاوى ومستشار أوباما مايكل ماكفول» وكانا قد كتبا مقالًا مشتركًا فى الواشنطن بوست عن فتح ثغرة فى الانسداد السياسى فى مصر، وتحدث بعض من استقالوا عن إمكان مناقشة المبادرة والتحاور حول النقاط الإيجابية فيها، كما طرح محمد محسوب الوزير المستقيل فى عهد مرسى والمحسوب على حزب الوسط مبادرة لتأسيس جمعية وطنية شاملة للمصريين تستبعد متطرفى معسكر الإخوان الذين يتحدثون عن إسقاط الدولة المصرية، كما تطالب بعدم محاكمة الناس على مواقفهم السياسية من يناير وحتى يوليو، فتلك المواقف تتحرك وفق المعطيات دوما، وكان قد سبقت تلك المبادرات التى جرت بعد الذكرى الخامسة لثورة يناير مبادرة معروفة باسم وثيقة العشرة لتضمنها لعشرة مبادئ صاغها «أيمن نور» و«محمد محسوب»، وهذه الوثيقة تتجاوز مسألة شرعية الرئيس المعزول محمد مرسى.
كان عجز التيارات التى تتحدث عن الثورية سواء داخل جماعة الإخوان أو خارجها عن إحداث حراك حقيقى على الأرض عنوانًا لخفوت ذلك التيار، وأنه لا مستقبل له، وهو ما فتح الباب واسعًا أمام طرح بيانات ومبادرات لمحاولة البحث عن أفق سياسى لأزمة الجماعة عبر حل المشكل السياسى مع الدولة المصرية وتجاوز ما يعتبره الثوريون المتصلبون إقرارًا بالوضع السياسى فى مصر، وفى نفس الوقت تجاوز شرعية مرسى التى أصبحت جزءًا من الماضى.
وبمطالعة الموقع الرسمى لرئيس اللجنة الإدارية العليا وعضو مجلس الشورى محمد عبد الرحمن المرسى، وهو من تيار محمود عزت نجد الموقع يدخل فى جدل فكرى مع مجموعة محمد منتصر أشبه بذلك الجدل الذى حدث فى السجون المصرية فى الستينيات حول قضية التكفير، بيد إن تأثير تيار الثورية وقوته يجعل التأثير الفكرى لذلك الجدل محدودًا، وذلك أن تيار الإصلاح المجادل الذى يقوده محمود عزت يجادل بأنه هو الآخر ثورى مثل التيار الآخر، بيد إنه يريد من ذلك التيار فقط الانتظار حتى نستكمل أدوات ثوريتنا وقوتنا، وهو ما يجعله غير مقنع وأنه يبدو كمن يمسك العصا من النصف لذا فإن جداله الفكرى لا قيمة له فى الحقيقة.
نحن أمام جماعة تواجه أسئلة أكبر من قدرتها على الإجابة عليها، ويبدو أنها أدت دورها، ولم تعد قادرة على تجديد نفسها، لأن المنطلقات التى قامت عليها تجاوزها الزمن، وهو تنظيم سرى مغلق، وطليعة مؤمنة تحمل عن الأمة عبء التغيير، بينما عالم السموات المفتوحة والمشاركة الشعبية الواسعة هو عالم اليوم وتلك طبيعة العصر التى لا يبدو أن طبيعة الجماعة قادرة على التعايش معها والتكيف عليها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف