عبد الجليل الشرنوبى
من كان منكم بلا «حاتم» فليرمِنَا بحَجَرْ !
«حاتم» أمين الشرطة فى دولة الفوضى التى كانت، لم يكن البطل الوحيد فى فيلم وطن حزين، حيث استطاع كتّاب سيناريو المرحلة التى ولت، أن يصيغوا قصتهم المرة، عبر بطولة جماعية، يكون نفس الشخص فيها هو المتقمص لمعظم الشخصيات، تماماً كما يفعل «محمد سعد» فى أفلامه التى أعقبت «اللمبي».
«حاتم» أمين الشرطة، يتسلل خلسة إلى سيارة فارهة تقف فى ركن هادئ حيث يختلى «حاتم» أستاذ الجامعة بإحدى طالباته، وبعد أن يقايضه زحاتم أمين الشرطةس يغادر مسرح الأحداث، إلى «دولاب» اسم المكان المخصص لتوزيع المخدرات قطاعي- حيث المعلم «حاتم» يباشر مهام عمله ومن بينها أن يقوم بـ«ترضيَّة» الباشا حاتم «أمين الشرطة»، الذى يعود أدراجه وقد حصل على «مبلغ مجز» مع «اصطباحة» وسعيلين سيسس سلمهما حاتم صاحب زالدولابس ليعود إلى القسم وفى يده «محضران»!
حين يغادر «حاتم» أمين الشرطة عمله، يمر على «الشيخ حاتم» الذى يباشر علاج زوجته من «المس» بالقرآن عبر «جلسات» تتكلف الواحدة «مبلغاً باهظاً لزوم أجر الشيخ والطلبات، و«الشيخ حاتم» بمجرد أن ينهى جلسات علاج الزوجة، يتحرك مستهدفاً سداد «أجر» الدروس الخصوصية للأستاذ «حاتم» معيد «الجامعة» الذى يقايض طلابه على «أعمال السنة» مقابل الدروس الخصوصية، أو «مدرس» االثانوى الذى يؤهل الطلاب للحصول على أعلى الدرجات فى الثانوية العامة، أو مدرس الابتدائى الذى يؤكد دوما أن «التلميذ» بحاجة إلى تأسيس.
خلال يومه فى الدروس «الخصوصية» لا تنقطع اتصالات «حاتم المدرس» الهاتفية مع «حاتم» الميكانيكى الذى غيّر له «حساس السيارة» عدة مرات ويحصل فى كل مرة على «أجرة» يده وثمن «الحساس» الجديد!
وبينما «حاتم الميكانيكي» غارقاً فى تبريراته الوهمية عن فساد ذمة شركات قطع غيار السيارات، يدخل عليه «حاتم قارئ عداد الكهرباء» الذى سرعان ما يجلس إلى جوار «الشيشة» فى الورشة، وبعد أن يشرب شاياً وحجراً من الدخان، يتوارى عن الأعين خلف عداد الكهرباء وبطريقة يحتفظ بآليتها لنفسه، يقوم بإخضاع مؤشر العداد لسلطانه فلا تكاد تلحظه يتحرك مهما تكن قسوة الاستهلاك، ويخرج «حاتم قارئ العداد» بعدما دس فى جيبه ما اتفق عليه مع «حاتم الميكانيكي» ويتجه فوراً إلى مكتب «حاتم» المحامى الذى «يلعب بالبيضةوالحجر» ليدفع له مقدمة أتعاب لقضية «شيكات» سيتم رفعها ضد حماه السابق للضغط عليه ليتنازل عن مطالبته بنفقة ابنته المتأخرة.
ويحصل «حاتم المحامى» على الأتعاب ثم يتحرك مسرعاً للقاء صديقه «حاتم» الطبيب الذى سيجرى لعشيقة «حاتم المحامى» عملية ترقيع للبكارة، تمهيداً لزواجها من «الحاج حاتم» الذى فتح الله عليه من وسع حين اكتشف أن تحت داره «مقبرة فرعونية» فبدأ يبيعها بالتدريج، وبينما يستعد للزواج من الفاتنة التى قدمها له «حاتم المحاميس ينجح فى الحصول على موعد من النائب المخضرم «حاتم باشا» الذى سيحصل على مبلغ محترم ليتوسط لابنه «حاتم الصغير» فى دخول «معهد أمناء الشرطة».
هذه هى الدائرة التى تدور فيها مصر منذ عقود عدة مرت، دائرة «حاتم» المفزعة، تلك التى نمت واتسعت منذ 1967م، ولم تستطع فرحة النصر فى أكتوبر 1973م أن تعالج خلاياها السرطانية التى بدأت تستشرى، ليصبح «حاتم» بالتدريج هو «رجل المرحلة» على مدى ثلاثة عقود، تفتح فيها وعى المجتمع المصرى على ملامح «حاتم» تحاصره أينما اتجه، وتفرض ثقافتها على كل شيء حتى على مفردات الحوار منطلقة من قاعدة أنانية خالصة أصلها «أنا ومن بعدى الطوفان» وتطويرها «يموت حبيبى وأنا ما استهواش»!
ويكذب من يدعى أن رؤية إصلاحية أو معارضة قاومت «حاتم» بل أقولها بضمير مستريح «الكل» شارك فى صناعته، وعلى رأس صُنّاعه كانت تنظيمات الدين السياسي، و«الإخوان» فى مقدمتهم، حيث دفعهم دينهم إلى «استحلال» استخدام فساد المجتمع، بدعوى أنهم فى مواجهة «عدو» غير شريف فى خصومته معهم، وبالتالى (حلال تجارة العملة والآثار) وبالتدريج صار فى الوقت الحالى (واجباً أن يدعموا حاتم)، لأن وجوده يعنى إفقاد الدولة قدرتها على النمو أو امتلاك أسباب القوة وبالتالى يسهل النيل منها (إعلامياً) وتشويه صورتها (خارجياً) وخلخلة العلاقة بينها وبين مواطنيها، ومن ثم يسهل إسقاطها، والمعنى هنا تحديداً (إسقاط الدولة) وليس النظام.
إن الحقيقة التى يجب أن نواجه بها أنفسنا هى أننا فى وطن مأزوم، وعنوان أزمته (حاتم)، ذلك الذنب الجمعى الذى لم نملك جسارة الاعتراف به خلال السنوات التى تلت سقوط نظام المخلوع مبارك، وتناسيناه فيما بعد إسقاط نظام المعزول مرسي، وشغلتنا عنه مهددات مرحلة خريطة الطريق ونشوة الانتصار فى أولى جولات معركة استرداد الوطن، وهو الذنب الذى يجب أن نواجه به أنفسنا، فالقاعدة «كيفما تكونوا يولى عليكم» وفى ترجمتها يقول المثل الفرنسى «الشعب يفرز من يمثله» وفى ضوء ذلك فإن على قيادة المرحلة أن تتنبه، لأن «حاتم» رقيب الشرطة الذى أخطأ فقتل، ليس مجرد فرد، وليس محصوراً فى فئه أو مهنة، ومن قرر المتاجرة بجريمة «حاتم رقيب الشرطة» ليقسم الناس على أشلاء الوطن المكلوم، هو ذاته الذى سيتاجر بكل خطايا «حاتم» فى شتى المجالات، ومن ثَمَ تتجلى الحاجة إلى لجنة وطنية عليا لصياغة استراتيجية وطنية للبناء فى مواجهة كل «حاتم» يهدم، شريطة أن تبدأ عملها باستهداف كل «حاتم» يسكننا.