عبد القادر شهيب
شيء من الأمل - هواة إثارة الفزع الاقتصادي
أخطر ما تواجهه مصر الآن ليست تلك الأزمات المتعددة وفي مقدمتها بالطبع الأزمة الاقتصادية، وأنما ما يقوم به بعض هواة إثارة الفزع في نفوس عموم المصريين بترويج ادعاءات ان أزماتنا صارت عصية عن الحل والعلاج، وأننا مقبلون علي كارثة، أو كوارث متعددة!
ان أسوأ ما ابتليت به مصر هم هواة اثارة الفزع هؤلاء الذين يفعل بعضهم ذلك،أي إثارة فزع الناس ونشر اليأس في نفوسهم، عن جهل وعن ضعف ثقة في قدراتنا، بينما يفعل البعض الآخر منهم ذلك بشكل متعمد وممنهج لانهم يريدون اصابتنا بالشلل أو العجز وفقدان القدرة علي العمل من أجل تجاوز أزماتنا وحل مشاكلنا والتقدم حثيثا إلي الأمام بقوة وثقة وأمل.
وقد زاد نشاط هؤلاء بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة مع ذلك الاضطراب الذي أصاب السوق النقدية وأدي إلي التهاب أسعار الدولار الأمريكي وبقية العملات الأجنبية في هذا السوق، وذلك علي أثر تسرب خبر قيام وزارة المالية وهي تعد موازنة العام القادم بتقييم الدولار الأمريكي بأكثر من سعره الرسمي المعلن من البنك المركزي وهو ما ساعد علي ترويج توقعات غير صحيحة حول اعتزام البنك المركزي إجراء تخفيض جديد قادم في سعر الجنيه.. علي أثر ذلك انطلق هؤلاء يمارسون هوايتهم السيئة بإثارة فزع عموم الناس في مصر حول كارثة اقتصادية نحن مقبلون عليها ولا مناص منها.. فإن الذين يتربصون بنا ويتآمرون علينا يعتقدون أن إثارة فزع الناس يفتح الباب أمامهم لتنفيذ مؤامراتهم التي تستهدف النيل من كيان دولتنا الوطنية والتخلص من الحكم الحالي، توطئة للقفز علي هذا الحكم.
لذلك.. يتعين أن يحرص السادة المسئولون وهم يصارحون الناس بحقيقة مشاكلنا أن يتجنبوا تسهيل مهمة هوان إثارة الفزع لدي الناس.
نعم نحن نواجه أزمة اقتصادية ليست بسيطة.. ونظام هذه الأزمة عديدة من بينها زيادة معدل التضخم ليتجاوز ١١٪، وارتفاع معدل البطالة إلي نحو ١٣٪ وزيادة عجز الموازنة والميزان التجاري وميزان المدفوعات ونقص في مواردنا خاصة النقد الأجنبي، وتراجع في معدل النمو الاقتصادي إلي أقل قليلا من ٤٪ في النصف الأول من العام المالي الحالي، وذلك نتيجة انخفاض معدل الاستثمار إلي ١٤٪ بينما نحن نحتاج علي الأقل لمضاعفته مع وجود فجوة تمويلية قدرتها الحكومة بنحو ٣٠ مليار دولار، وارتفاع الدين العام للحكومة بأكثر من ٩٣٪ من الناتج القومي.
وهكذا أزمتنا الاقتصادية ليست فقط في ارتفاع سعر الدولار الأمريكي وانخفاض سعر الجنيه المصري، وانما هي في أننا ننفق أكثر مما ننتج وهذا الخلل لابد من علاجه.. وعلاجه ليس مستحيلا وانما يحتاج لعلاج سليم وصحيح وقدرة علي التحمل لان العلاج يحتاج لوقت حتي يتحقق أثره ويؤتي أكله.
وما يؤكد ذلك أننا رغم كل الظروف الصعبة التي عشناها خلال السنوات السابقة نجحنا خلال العام الماضي في مضاعفة معدل النمو الاقتصادي في ظل حرب ضارية نخوضها ضد الارهاب، وأيضا في ظل كل محاولات النيل منا ومن كيان دولتنا الوطنية، كما نجحنا في تخفيض معدل البطالة قليلا، وجذبنا استثمارات أجنبية بنحو أربعة مليارات دولار خلال العام الماضي، ونجحنا أيضا في حل مشكلة الكهرباء والطاقة التي تكن تؤرق وتزعج عموم المصريين فقط وانما كانت تعوق الاستثمار أيضا، وأقمنا شبكة من الطرق الجديدة لتهيئة البنية الأساسية للاستثمار الذي لا غني عنه لتحقيق معدل نمو اقتصادي مناسب، ويجب ألا يقل عن ثلاثة أمثال معدل الزيادة السكانية، أي أكثر من ٧٪، وأيضا مضينا في اقامة عدد من المشروعات الكبيرة والمهمة في تعديل المعدلات الزمنية للانجاز.
إذن.. نحن لم نستسلم لواقع الأزمة ولا نقبل به وانما نسعي لان نغير هذا الواقع ونتخلص من هذه الأزمة وتجاوزها لنمضي في طريقنا لاعادة بناء اقتصادنا.. وذلك يواجه بالطبع مقاومة من قبل بعض أصحاب المصالح والمستفيدين من واقع الأزمة الذين قال عنهم محافظ البنك المركزي طارق عامر أنهم يحققون أرباحا ضخمة لا تتحقق في أي مكان في العالم ولا يقبلون بتنظيم اقتصادنا ليتجاوز أزمته حتي تنخفض هذه الأرباح قليلا (من ٨٩٪ إلي ٦٠٪ مثلا)!
وهذا مايتعين أن يشرحه ويوضحه السادة المسئولون عن إدارة اقتصادنا بدلا من ان يساعدوا هواة اثارة الفزع في مهمتهم، من خلال الحديث أو التبشير بقرارات مؤلمة تنوي الحكومة اتخاذها دون حق الافصاح عن طبيعة هذه القرارات، وبالتالي ليس غريبا أن تبدأ بوجه جديد من شائعات رفع الأسعار خاصة للبنزين والسولار. أيها السادة المسئولون انشروا التفاؤل والأمل ولا تروجوا لليأس.