الوطن
محمد صلاح البدرى
سفراء القارة السمراء!
(1)

لم تكن المرة الأولى التى يبلغنى فيها صديقى النيجيرى أنه يرغب فى زيارة مصر، ولكنه يفشل فى تحقيق تلك الرغبة فى كل مرة لظروف خارجة عن إرادته، يبدو أن القدر يرفض أن يستقبله على الأرض التى عشقها دون أن يراها!

كان والده قد تعلم فى الأزهر فى ستينات القرن الماضى، ثم عاد إلى بلاده ليخلق حالة من حب لتلك الأرض بين كل من حوله، إنها الحالة التى جعلت صديقى الذى تعلم فى جامعات أوروبية يرغب فى زيارة مصر بشدة! منذ متى توقفنا عن تصنيع هذا النوع من السفراء؟!

(2)

يقول والد صديقى: فقط فى مصر تستطيع أن تجد العلم كله، الإسلام كما ينبغى أن تتعلمه، دون أن ترهق نفسك بالبحث بين المذاهب، لقد قام الأزهر نيابة عنك بذلك، وقدم لك منتجاً هو خليط من عقول السلف كله، بالإضافة إلى النص كاملاً، باختصار فى مصر أنت فى أيدٍ أمينة! ثم يستطرد قائلا: لماذا توقفت الحملات الأزهرية فى أفريقيا؟ لماذا أصبحنا لا نرى تلك العمامة البيضاء فى كل مدينة نعيش فيها؟ هل تخليتم عن دوركم؟ لا أعتقد أنه من حقكم من الأساس أن تتخلوا عنه؟ إذن ماذا حدث؟

(3)

حاول صديقى أن يدرس فى الأزهر كما فعل أبوه، ولكنه فشل بعد أن وجد معوقات عديدة بحسب قوله:

«حتى حين تم رفضى من الأزهر، حاولت أن ألتحق بإحدى الجامعات الحكومية عندكم ولكننى فشلت أيضاً، يبدو أنكم قررتم رفضى للنهاية».

لم أتمكن من تقديم المبررات الكافية التى تم رفضه فى الجامعات المصرية بسببها، ولكننى أعرف جيداً أنه محظوظ بشدة!!

«هل تعلم أن مشكلتكم مع إثيوبيا كان يمكن أن يتم حلها فى دقائق معدودة؟ هل تعلم أنكم إذا كنتم استكملتم برنامج التعليم العالى لديكم ربما كنتم ستجدون رئيس إثيوبيا نفسه قد تلقى تعليمه فى مصر؟»

(4)

أفريقيا هى الامتداد الطبيعى والجغرافى لمصر، حقيقة أدركها عبدالناصر جيداً وقرر أن يؤمن حدوده الجنوبية إلى أبعد مدى وبتكلفة تقل كثيراً عن تكلفة التأمين العسكرى للحدود، لقد زرع الانتماء فى قلب كل أفريقى لهذا الوادى الطيب، ولكن يبدو أن من بعده لم يستوعب تلك الحقيقة!

بعثات الأزهر أصبحت قليلة للغاية، واستقدام الطلبة فى الجامعات المصرية أصبح محدوداً بل ومحاطاً بتعقيدات تجعل الطلبة يفرون إلى جامعات أخرى فى كل أنحاء العالم،

لا أعرف هل حسن حظهم أم سوء حظنا هو ما أدى إلى ذلك!

(5)

فى لقاء مع وزير التعليم العالى الأسبق منذ عام تقريباً طرحت على سيادته فكرة تفعيل بروتوكولات التعاون بين الجامعات المصرية والأفريقية، ومحاولة استقدام مجموعة من الطلبة من عدد من الدول الأفريقية لاستكمال تعليمهم الجامعى فى مصر عن طريق منح تقدمها الحكومة، ولكنه لم يتحمس لهذا الملف دون سبب محدد، حاولت أن أشرح لسيادته أن زرع الانتماء فى عقول الشباب الأفارقة ربما لا يقل أهمية عن زرعه فى قلوب أبناء الوطن نفسه، فمن سيجرؤ أن يتآمر على بلد تعلم فيه؟!

الأمر قد أصبح ضرورة فى اعتقادى، والبعد الاستراتيجى لمصر فى أفريقيا ينبغى أن يعود وبقوة، والصورة بالكامل متروكة لأصحاب القرار الآن فى هذا الوطن، فربما كان هذا هو الحل الأمثل والأكثر تأثيراً لكل مشاكلنا فى القارة السمراء، وربما كان هو الدرع الواقى أيضاً حتى لا تتكرر مأساة سد النهضة الإثيوبى ثانية! بل ولوجدنا دعماً قارياً لنا فى العديد من المواقف الخارجية نفتقده فعلياً!

السيد الأستاذ الدكتور وزير التعليم العالى، فضيلة الإمام شيخ الأزهر، سيدى رئيس الجمهورية، مصر لنا، وأفريقيا إن أمكنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف