الوفد
د. اكرام بدر الدين
الحكومة وخطر التبعية لصندوق النقد
تعاني مصر في السنوات القليلة الماضية من عديد من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والعديد من الضغوطات على مستويات مختلفة داخلية وإقليمية ودولية، ويمكن النظر إلى المشكلة الاقتصادية باعتبارها أهم وأخطر هذه المشكلات وذلك نظراً لما تطرحه من آثار على مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية وعلى درجة المرونة والاستقلالية في اتخاذ القرار سواء على المستوى الإقليمي والدولي، ويحتاج الأمر إلى المواجهة الصحيحة لهذه المشكلات الاقتصادية حيث إن تركها تتفاقم دون حل يترتب عليه العديد من التداعيات السلبية، كذلك فإن اتخاذ الحلول غير المناسبة والتي يترتب عليها أعباء أكبر من قدرة المواطن المصري على التحمل أو الانجراف وراء مطالب المؤسسات الاقتصادية الدولية يمكن أن ينتج عنها سلبيات خطيرة، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات الأساسية التالية:-
أولاً: تصاعد حدة المشكلات الاقتصادية في مصر في السنوات الماضية وهو ما يمكن تفسيره بالتغيرات السياسية السريعة والمتلاحقة التي شهدتها البلاد وما ترتب عليها من تداعيات، فضلاً عن تنامي ظاهرة الإرهاب وما ترتب عليها من تداعيات تؤثر بالضرورة على مناخ الاستثمار إضافة إلى ما حدث من تراجع في موارد السياحة نظراً للأعمال الإرهابية، فضلاً عن التحديات التي تواجه التصدير، ويضاف إلى ذلك التزايد السكاني السريع نسبياً وما يمثله من ضغط على الموارد الاقتصادية، فضلاً عن تراجع الاحتياطي من العملات الصعبة وما يترتب على ذلك من ارتفاع غير مألوف من قبل في أسعار العملات الأجنبية وهو ما يعني في نفس الوقت تراجع العملة المحلية مما يعني بالضرورة ارتفاع الأسعار أو ما يطلق عليه بالمصطلحات الاقتصادية ارتفاع نسبة التضخم، ويعني ذلك تزايد وارتفاع الصعوبات التي يعاني منها المواطن وخصوصاً الفئات الأدنى في السلم الاجتماعي ومعنى ذلك أن هناك مشكلات اقتصادية تواجه الحكومة مثل ارتفاع حجم الدين الداخلي والخارجي فضلاً عن نفقات خدمة الديون وعجز الموازنة واختلال الميزان التجاري وهي كلها تعكس مشكلات اقتصادية تعاني منها البلاد وتحتاج بالضرورة إلى حل.
ثانياً: مواجهة الحكومة للمشكلة الاقتصادية: إن المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها مصر تحتاج بالضرورة إلى المواجهة والبحث عن الحلول، وقد أعلنت الحكومة أنها ستلجأ إلى اتخاذ إجراءات صعبة للمواجهة أو ما يطلق عليه البعض الدواء المر، وربما يمكن أن يستخلص من ذلك اللجوء إلى تخفيض الدعم أو رفع أسعار مصادر الطاقة أو زيادة الضرائب والجمارك أو الاستغناء عن نسبة كبيرة من العاملين في الجهاز الإداري وغير ذلك من الإجراءات ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الأفكار التالية:-
أ-مراعاة التوازن في الحلول بين الاعتبارات الاقتصادية والمالية من جانب والاعتبارات الاجتماعية من جانب آخر، فما قد يكون صحيحاً من الناحية المالية والاقتصادية البحتة قد لا يكون كذلك من الناحية الاجتماعية، وبعبارة أخرى فإن الحلول الاقتصادية يجب ألا يترتب عليها مزيد من الصعوبات التي تتحملها الفئات الأكثر فقراً وهي غالبية المجتمع المصري، بل المطلوب في جميع الأحوال توجيه مزيد من الاهتمام إلى هذه الفئات والشرائح الاجتماعية وجعل حياتها ومعيشتها اليومية أكثر سهولة.
ب- عدم الانجراف وراء الوصفات الجاهزة التي تقدمها المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل الصندوق الدولي والبنك الدولي لأنه في كثير من الأحيان أدى الالتزام الحرفي بهذه الوصفات وفي حالات متكررة إلى اضطرابات اجتماعية خطيرة وتهديد للاستقرار السياسي بينما استطاعت نماذج أخرى (ماليزيا) تحقيق النمو الاقتصادي دون الالتزام بهذه الوصفات الدولية.
ج- التدرج في الحل والعلاج، بمعنى عدم اللجوء إلى أسلوب الصدمات السريعة والمفاجئة بل يكون الإصلاح تدريجياً ومراعاة البعد الاجتماعي في جميع الأحوال.
ثالثاً: حلول مقترحة للإصلاح الاقتصادي والتنمية، فمن المتصور أن تلجأ الحكومة (أي حكومة وليس بالضرورة الحكومة الحالية فقط) إلى اتباع عدة أساليب وسياسات دون إثقال كاهل الفئات والشرائح الاجتماعية الفقيرة، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى المقترحات التالية:
أ- مكافحة الفساد واستعادة الأموال المهدرة نتيجة لأعمال الفساد والدفع بها وتوجيهها نحو التنمية ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى الأرض التي تم الاستيلاء عليها دون وجه حق، أو الأرض التي تم استغلالها في غير ما خصصت له أصلاً حيث إن ذلك يمكن أن يزيد من موارد الدولة الموجهة للتنمية ويقلل عجز الميزانية.
ب-التدريب التحويلي، ويقصد بذلك أن يتم تحويل العمالة الزائدة في الجهاز الإداري للدولة إلى أعمال أخرى مطلوبة، وهناك احتياج إليها وذلك بعد فترة تدريب على الأعمال الجديدة وبما لا ينتقص من الموارد المالية لمن يخضعون لهذا التدريب التحويلي بل ربما يزيد منها.
ج- تشجيع الصناعات الصغيرة والقروض الميسرة وبما يمكن من مكافحة البطالة من جانب وتخفيف الضغط على الجهاز الإداري للدولة من جانب آخر.
د- استغلال العلاقات الدولية والسياسة الخارجية المصرية الناجحة في جذب مزيد من الاستثمارات لدفع عملية التنمية ودفع عملية الإصلاح الاقتصادي والتركيز على المشروعات الإنتاجية.
ويمكن القول في النهاية إن الدواء دائما يكون مر المذاق ولكن المهارة تكون في القدرة على تحديد الجرعات المناسبة والملائمة والتوقيت الزمني للعلاج حتى يتعافى الاقتصاد المصري ويحقق المصلحة للوطن والمواطن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف