هل يمكن أن نؤجل حقوق الإنسان إلى أن تحل كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية؟ بمعنى آخر هل الخبز قبل الكرامة والحرية؟ هذا السؤال فى الحقيقة كثيراً ما تكون إجابته أن الديمقراطية والحرية يجب أن تؤجل لحين الحصول على الخبز أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أولاً ثم تأتى بعد ذلك الحقوق والحريات، البعض يقدم هذه النظرية ويعتقد فيها، فهل يمكن قبولها فى مصر؟
أعتقد أن ثورة المصريين فى 25 يناير بالأساس كانت لمحاربة الطمع والاستبداد وتوريث الحكم وانتهاكات حقوق الإنسان، ودلالة هذا اختيار يوم 25 يناير وهو عيد الشرطة المصرية كرسالة واضحة ضد كل أشكال الانتهاكات والتعذيب، لا سيما أن قضية تعذيب خالد سعيد الشاب الإسكندرانى كانت تؤرق المجتمع الذى تفاعل معها بكل قوة، كما أن ثورة 30 يونيو أيضاً كانت من أجل الحرية والكرامة وضد إقصاء المصريين وهيمنة تيار سياسى واحد على الحكم ومصادرة حرية الرأى والتعبير، وبعد هاتين الثورتين حدث تغير كبير لدى الرأى العام وقدرته على التواصل والتفاعل، ساهمت فيها لا شك ثورة الاتصالات والسوشيال ميديا التى نشرت احتكار تداول الأخبار والمعلومات، وأصبح فى يد كل مواطن القدرة على أن ينشر خبراً أو انتهاكاً بالصوت والصورة والكتابة على وسائل التواصل لتصل إلى الآلاف والملايين داخل مصر وخارجها، ليخلق رأياً عاماً حول الحادث أو الانتهاك، وهذا يفسر ردود الفعل الفورية إزاء انتهاكات حقوق الإنسان، فرأينا كيف تفاعل الرأى العام مع قضية تعذيب مواطن فى قسم شرطة بمدينة الأقصر وخروج المواطنين للتظاهر أمام قسم الشرطة، الأمر الذى أدى إلى اعتذار قيادات أمنية كبيرة للمواطنين وتحرك فورى للنيابة العامة للقبض على مرتكبى جريمة التعذيب والتحقيق معهم وحبسهم.
أيضاً تداول صور اعتداء أمناء الشرطة على المواطنين وتعذيب آخرين ساهم فى تفاعل المواطنين ضد الانتهاكات، لاسيما أن الإعلام يتناول الموضوعات الأعلى تردداً فى وسائل الإعلام الاجتماعى «فيس بوك وتويتر»، فباتت -الترافيك- الإقبال على هذه الصفحات هى التى تحدد الموضوعات التى يتناولها الإعلام المرئى وبرامج التوك شو، بمعنى أن الإعلام الاجتماعى هو الذى يحدد الموضوعات التى تناقشها وسائل الإعلام التقليدى.
بالطبع ما يهم الناس دائماً هو الانتهاكات التى ترتكب والتى يذهب ضحية لها مواطنون أبرياء، مثل حادث اعتداء رقيب شرطة على شاب فى منطقة الدرب الأحمر وقتله بالطبنجة الميرى فى رأسه، فتحرك المواطنون وتظاهروا أمام المديرية دون أن يكون بينهم أى ناشط سياسى أو حقوقى، يعنى ارتفاع للوعى بالحقوق ورفض أى انتهاك، واعتزاز بالكرامة، الأمر الذى كان واضحاً فى الشعارات المرفوعة التى تطالب بالعدالة.
ردود الفعل المباشرة من المواطنين تجاه انتهاكات حقوق الإنسان وارتفاع الأصوات ضد هذه الانتهاكات خلال وسائل الاتصال الاجتماعية أو الإعلام التقليدى رسالة واضحة رغم الحديث المتكرر حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبناء الإسكان الاجتماعى أو الدعم من خلال بطاقة التموين وسيارات بيع اللحوم بأسعار مخفضة، كل هذا لم يؤد إلى إسكات الأصوات المطالبة بالحرية وبحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية.
توجيه رئيس الجمهورية مجلس النواب لإصدار تشريعات لحماية المواطنين ومعاقبة أى فرد شرطة ينتهك حقوق المواطنين كرد فعل على تحرك المواطنين والتظاهر أمام مديرية أمن القاهرة فى حادث قتل الشاب المصرى برصاص أمين الشرطة، مهم لكن الأهم هو هيكلة جهاز الشرطة وإعادة الاعتبار لقيم ومبادئ حقوق الإنسان فى عمل جهاز الأمن لتحقيق المعادلة الخاصة بالتوازن بين حماية الأمن وحقوق الإنسان.
يجب ألا تُرهن حقوق الإنسان والحق فى الكرامة الإنسانية حتى يتم تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن.
التصدى لانتهاكات حقوق الإنسان وضمان ألا يفلت من ينتهكون حقوق الإنسان من العقاب هى ضمانة أساسية، فالمصريون يطلبون الكرامة الإنسانية قبل الخبز دائماً.