الجمهورية
جلاء جاب اللة
ماذا يحدث في مصر؟
مصر التي تضع خطتها التنموية حتي عام ..2030 وتنظم مؤتمرا اقتصاديا في شرم الشيخ للأفارقة.. وتفتتح قناة شرق التفريعة فيما يعد انجازا غير مسبوق في مدة الانجاز... وغير ذلك من الانجازات هي نفسها مصر أمناء الشرطة.. ومصر البرلمان ومصر بعض الوزراء الذين ابتعدوا عن الواقع.. هي نفسها مصر التي زاد فيها تدني الأخلاق والقيم والعلاقات الانسانية.. هي نفسها مصر التي شهدت منذ يومين قتل طفلة بعد الاعتداء عليها جنسيا.. هي نفسها مصر الممزقة بين الحق في حرية الابداع.. والحق في الدفاع عن القيم ورفض الابتذال باسم الابداع..!!!
ماذا يجري في مصر؟ هل هي مؤامرة من الخارج.. أم مؤامرة من الداخل.. أم أن كل مصري يتآمر علي نفسه وعلي غيره؟
يقول علماء الاجتماع انها حالة صراع مجتمعي بسبب الانتقال من حالة مجتمعية الي حالة أخري ويقول علماء النفس إن هناك حالة انفصام في شخصية المصري الآن.
ويقول خبراء ونشطاء إنها المؤامرة علي مصر من الخارج بهدف تقسيمها وسقوطها.
ويقول ساسة ان عام 2016 هو عام الحسم لسقوط مصر لأن أوباما دفع 8 مليارات دولار لجماعة الإخوان المسلمين مقابل أن يسلموا ألف كيلو متر مربع من سيناء بجوار فلسطين المحتلة لاقامة دولة فلسطين واخلاء الضفة الغربية من الفلسطينيين تماما لتنفيذ حل الدولتين : اسرائيل وفلسطين وانهاء أزمة الشرق الأوسط وأن ثورة 30 يونيه حطمت الحلم الصهيوني وأسقطت المؤامرة.. وأن الكونجرس سيحاسب أوباما علي هذه المليارات التي دفعها الأمريكيون دافعو الضرائب.. وبالتالي لابد من أن تعود المؤامرة بقوة حتي تنقسم مصر ويتحقق حلم اقامة الدولتين علي حساب الأرض المصرية في سيناء... لذلك بأن كل ما يحدث في مصر هو نتاج هذه المؤامرة..!!
ويقول اقتصاديون أن السوق المصري تأثر بغياب السياحة بعد حادث الطائرة الروسية الي جانب تأثره بأحوال السوق العالمية وبالتالي فإن التأثير الاقتصادي هو السبب في كل ما يحدث في بر مصر!!
تفسيرات كثيرة قد يكون بعضها منطقيا والبعض الآخر خياليا ومن نسج فكر البعض لكن المهم.. أن هناك شيئا ما يحدث في مصر أشبه بالانفصام الحقيقي في الشخصية المصرية..!!
القضية في اعتقادي أن هناك عوامل كثيرة سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية بل وفنية ورياضية أثرت علي المجتمع المصري ليصل الي هذه الحالة السلبية لكن العامل الأساسي فيما وصلت اليه وجعلنا نتساءل : ماذا يجري في مصر هو الإنسان المصري.
الإنسان المصري لم يعد هو كما كان.. الشهامة والضمير وقوة الايمان.. والتوكل الحق علي الله لم تعد كما كانت من قبل الإنسان المصري - مثل مصر تماما - تعرض لحملة متقنة ومنظمة لتفريغه من الداخل.. فأصبح كالريشة في الهواء.. لا هو مستقر علي الأرض يتعايش الواقع.. ولا هو طائر الي السماء فيحقق أحلامه..
التشكيك في كل شيء وأي شيء وبكل وسيلة حتي يضيع من وجدان المصري كل يقين هو البداية لضرب الدين والاساءة إليه سواء من خلال اعداء الدين أو من يدعون التدين أنفسهم.. فالافراط والتفريط كلاهما كان يوجه ضربات حقيقية للدين سواء كان الدين الاسلامي أو الدين المسيحي والهدف هو زعزعة الثقة في الدين أو التطرف في التمسك بشكليات متدينة بعيدا عن الأصل الحقيقي وهو تدين الروح والوجدان والسلوك..!!!
علاقة الإنسان المصري بالله علاقة قوية جدا حتي أن البعض كان يتندر بهذا الحرامي الذي يذهب للسرقة فيقول : "توكلت علي الله وربنا يسترها".. نعم هو دعاء ليس في محله أو مكانه شرعا لكنه يعبر عن حقيقة وجدان المصري وارتباطه بالله وتدينه الفطري وارتباطه الدائم بالدين.. لكن ظهرت أشكال من التدين ضربت الدين نفسه ثم كانت الحرب ضد الأزهر وهي في حقيقتها ضد الدين.. والحرب ضد القيم والمباديء الدينية السمحة سواء من المفرطين أو المتطرفين.. كلاهما خطر هدد الدين بشكل ما.. حتي أثر علي روح ووجدان نسبة كبيرة من المصريين.. وبالطبع فإن الاعلام والتعليم كانا أهم وسائل هذه الحرب ضد وجدان وروح الإنسان المصري..!!
الحرب ضد القيم والمباديء النبيلة والإنسانية أخذت أشكالا كوميدية في البداية ثم اقتصادية واجتماعية علي أساس أن الفقراء والمطحونين يخبئون فشلهم ويتوارون بجهلهم وراء هذه القيم.. ثم زادت الحرب ضد القيم الإنسانية داخل الأسرة وإهانة الكبير بأي وسيلة وتحت أي مسمي وكان الهدف كسر الشخصية المصرية المنتمية والمرتبطة بالقيم المصرية الأصيلة وهي في حقيقتها القيم والمبادئ الإنسانية والاسلامية والمسيحية الحقة..!!
ضرب القيم ومنظومة الاخلاق الانسانية بعد ضرب القيمة الدينية.. كان طبيعيا أن يؤثر علي الروح والفكر والعقل والقلب المصري خاصة إذا تزامن ذلك مع ظروف اقتصادية صعبة للغاية والعودة الي صراع طبقي واضح في المجتمع يسانده بعض وسائل الاعلام بقصد أو بدون قصد.
فإن من نتيجة ذلك اختلاط المفاهيم والقيم في وجدان الشباب.. فأصبح الشكل أهم من الجوهر.. وبات الشباب - بعضهم طبعا - يهتم بمظاهر بعيدة عن الجوهر.. ويهتم بأنماط سلوكية غريبة يعتقد أنها الحضارة وهي أبعد ما يكون عن الحضارة.
الغرب تقدم بالعلم والعمل لأن تلك هي فطرة الله في خلقه وعلي الأرض.. العمل.. والعلم سلاحان للنهوض والتطور والتنمية.. أياً كان دينك أو أخلاقك لكن الدين والأخلاق والقيم هي التي تنظم.. العمل والعلم الي الطريق الصحيح.. فالعلم بلا قيم دينية وأخلاقية من الممكن أن يكون أداة للتدمير والخراب والمرض وبالقيم يكون وسيلة للنماء والتطوير والتنمية والصحة والعافية.. وكذلك العمل.. فالسارق يبذل جهدا ذهنيا وعضليا في سرقته.. لكنه "حرامي".. والعامل الشريف يبذل جهدا ذهنياً عضلياً قد يكون أكبر وعائده أقل.. لكنه مواطن صالح متوافق مع نفسه ويرضي الله ورسوله والمجتمع ويخدم وطنه وأسرته.
الشباب المصري - بعضه طبعا وليس كله - اختلطت لديه المفاهيم بل والمصطلحات.. وما يفهمه شاب عن قيمة بعينها تري شباباً آخرين يفهمون نفس القيمة بمعني آخر يصل الي درجة التناقض.. فأصبحت الشخصية المصرية ممزقة.. وباتت في حالة متردية وعندما تغيب القيم.. وتمرض الأخلاق.. ويغيب المفهوم الحقيقي والمعني الصحيح للدين فإن هذه مظاهر طبيعية لبداية انهيار أي مجتمع كان.. فما بالك بمجتمع بني نفسه عبر آلاف السنين طبقا لهذه المنظومة القيمية.. مجتمع عرف التدين قبل البشرية.. وبني دولة قبل أي مجتمع آخر.. ماذا يحدث له إذا تعرضت منظومة قيمه الي هجوم شرس وسهام مسمومة.
تعرضت مصر لحرب منظمة سواء من الداخل أو الخارج.. سواء تحت مسمي العداء أو مسمي البحث عن الأفضل.. المهم أنها حرب منظمة تعاون فيها كثيرون لضرب منظومة القيم التي نبتت الشخصية المصرية عبر التاريخ لتحوله بالتدريج إلي "مسخ" وتلك هي بداية الانهيار.. بعيدا عن أي انجازات علي المستوي السياسي أو الاقتصادي وانظر الي البرلمان الذي جاء بارادة حرة عبر انتخابات مباشرة ليعبر عن رأي ورؤية الناس.. وانظر الي الاعلام خاصة الأكثر مشاهدة.. وتابع الانترنت والتواصل الاجتماعي "وهو لا تواصل ولا اجتماعي" تابع كل هذا.. اضافة الي تصرفات الناس في الشارع والمقاهي وكل الأماكن العامة والخاصة لتعرف.. إلي أين وصلت الشخصية المصرية..؟
همس الروح
للحب ألف وجه ووجه
نظرة وبسمة وهمسة
مثل وكلمة ولمسة
قد تفعل فينا ما لا تفعله الأعاصير
فدافع عن حبك .. ولا تأسي
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف