لست متابعا جيدا للشأن الرياضي في مصر إلا بقدر ما تقتضيه متطلبات المهنة.. مهنة الصحافة.. لكن تصريحات الكابتن عزمي مجاهد المتحدث باسم اتحاد كرة القدم حول خوض اللاعبين المصريين منافسات رياضية في تل أبيب. والمتداولة علي مواقع الفيس بوك. أشعلت جدلا واسعا لا يتعلق بالرياضة وكرة القدم فحسب.. وإنما بقضية حساسة جدا في الوعي والوجدان المصري والعربي تستحق من كل منا أن يدلي فيها بدلوه.. تلك هي قضية التطبيع مع إسرائيل.
قال الكابتن عزمي مجاهد: لا أمانع في خوض اللاعبين المصريين منافسات رياضية في تل أبيب.. ومصر تقدمت بملف لتنظيم بطولة كأس العالم للشباب تحت 19 سنة في كرة السلة.. وليس معني منافسة إسرائيل لنا الانسحاب من البطولة.. وأضاف: "فيه تبادل دبلوماسي مع إسرائيل. وفيه لاعبون مصريون لعبوا مباريات في تل أبيب. وفيه علاقة مع إسرائيل. ولازم نتكلم بوضوح وما نحطش رأسنا في الرمل. ومافيش مانع من العلاقات الرياضية.. الرياضة تبعد تماما عن السياسة. وطالما فيه تمثيل دبلوماسي معندناش مشكلة. بالرغم من تحفظنا علي إسرائيل. وما تفعله قطر مع مصر الآن أخطر علينا من إسرائيل".
لا أدري إن كان هذا هو موقف اتحاد الكرة أم موقف الكابتن عزمي مجاهد الذي ابتدأ الكلام بصيغة المفرد "لا أمانع".. ولم يذكر فيه موقف الاتحاد وحرص علي أن يكون الكلام منسوبا إليه.. ولكنه لم يقل أيضا أن هذا موقفه وحده بعيدا عن اتحاد الكرة الذي ينطق باسمه.
ومع ذلك فإن هذه ليست أول مرة يثار فيها مثل هذا الكلام حول التطبيع الرياضي مع العدو الصهيوني.. وبالتالي فلن تكون هذه أيضا أول أو آخر مرة نرد بها علي مثل هذا المنطق التطبيعي الذي تردد من قبل في مناسبات عديدة خلال 37 عاما مضت علي كامب ديفيد ومعاهدة السلام ولم يفلح في زعزعة إيمان الشعب المصري بمقاطعة العدو الأول والاستراتيجي.. عدو الأمس واليوم والغد.
ودائما ما كانت تستند دعوات التطبيع علي ما استند إليه الكابتن عزمي مجاهد في قوله إن هناك معاهدة بيننا وعلاقات دبلوماسية.. وبالتالي فليس هناك مشكلة.. ودائما ما كنا نقول إن المعاهدات والعلاقات الدبلوماسية قائمة لإنهاء حالة الحرب لكنها لا تجعل من العدو صديقا أبدا.. والدول لها ظروفها في التعامل مع الدول الأخري طبقا لما تقتضيه ضرورات النظام الدولي.. والشعوب في المقابل لها قرارها الذي ينبع من إرادتها ووعيها ولا يتغير بجرة قلم.
وقد ظل الشعب المصري. مؤسساته وهيئاته ونقاباته وبرلمانه. صامدا في وجه دعوات التطبيع.. وحصل علي تقدير واحترام كل شعوب الأرض بهذا الموقف الوطني العظيم.. ولم تفرض عليه أية قيادة أن يمارس التطبيع إلا من خلال تصريحات ودعوات بروتوكولية ودبلوماسية.. وأخذت الحكومة مسارات عديدة للتطبيع.. وأخذ العديد من مؤسساتها ورجال الأعمال مسارات أخري.. لكن بقيت المؤسسات الشعبية المنتخبة قوية صامدة.. ليعرف العدو أنه مكروه ومرفوض شعبيا.. ليس بسبب ممارساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني ومقدراته ومقدساته فقط.. وإنما أيضا بسبب الإدراك العام النابع من الضمير الوطني بأن إسرائيل تمثل الخطر الأكبر. والوجودي. علينا وعلي أمتنا.
ولا يمكن أن تتساوي إسرائيل في عداوتها لنا أو عداوتنا لها مع أية دولة أخري. قطر أو تركيا أو إيران أو حتي أمريكا.. هذه الدول بيننا وبينها خلافات سياسية مع الأنظمة.. مثلما كانت لنا خلافات في السابق مع ليبيا أو السودان أو العراق أو الجزائر.. لكنها تظل خلافات سوف تنتهي وتتبدل في يوم ما.. والسياسة لا تعرف الصراعات الدائمة.. وفي كل الأحوال هذه الدول أو غيرها ليس لها أطماع في أرضنا.. ولم تضع خرائط لتقسيم وطننا.
أبدا.. لن يفقد الشعب المصري بوصلته.. ولن ينقلب علي قضية أمته الأولي.. ولن يبيع دم شهدائه الأبرار ولو منحوه الذهب.. وإذا كان لابد أن نتكلم بوضوح فسوف يكون علينا أن نقول إن أية دعوة للتطبيع مع إسرائيل هي خروج مرفوض علي الاجماع الشعبي المصري لن يكتب لها النجاح.. واسألوا الكويز.