وفيق الغيطانى
قاهرة زمان.. وحلاوة زمان (الثانية)
< كان ياما كان أحلي زمان.. وخربت الدنيا.. واتبهدلنا.. وضاع العمر.
< عدي أحلي زمان.. وراحت أخلاق وأصالة زمان.. وتاه المصريون.
< أدي إحنا عشنا وعايشين والسلام.. في زمن السفه وقلة القيمة وغياب الضمير بقالنا من 1952 ننحدر بهبوط سريع.. حتي ضاعت ملامح القاهرة.. قاهرة المعز.. وضاعت الأرض واخترق العرض بعد أن فقدنا الأخلاق وأبيحت المحظورات وقضينا علي التقاليد وحلاوة العشرة والجيرة والمودة وحب الآخر والوفاء.
< تحولنا لحب الأنا وحب الجنيه وفقد التسامح وتأصيل المال الحرام وتقنينه وتسعيره من فوق لتحت ومن تحت لفوق.. حتي تحول المصريون لقطيع من الوحوش الضارية هم كل واحد منهم ان يملأ البطن ويخلف العيال حتي ولو من حرام. وتحولت مصر إلي مزبلة كبيرة وعشوائيات وزحام ولحام مع مرور الأيام.
< كانت القاهرة.. حولوها إلي القاهرة في كل شيء .. قاهرة المعز؟!! كانت حلاوتها زايدة حتة.. من حلاوة وطلاوة زمان ورجالة وشباب وهوانم زمان.
< والهوانم نوعان.. نوع هوانم القصور والطبقة العليوي.. ونوع الطبقة المتوسطة المحترمة صمام أمان المجتمع التي قضوا عليها.. حيث الذوق والعلم والثقافة والنبوغ والأدب والأخلاق والخجل والحياء.. ونروح لهوانم الملاية اللف والجدعنة والبرقع واليشمك وكحل العين السودا ومشية البطة المرجان وبهجة الليالي وزغروتة الفرحانة وسبوع المطاهر وزفة العروشة وحيرة المشتاق وحلو الكلام ودلع البنات.. آه علي البلدي وحلاوة البلدي المحترم.
< لا صوت عالي ولا ردح ولا مناظر فجة ولا بلطجة ونصب وتجمل.. ده كان زمان خلص الزمان وأصبح طبع الهوانم في كل الطبقات مشكل وغالب من قاع المدينة بيلم زبالة الشوارع.. فجأة تلاقي واحدة راكبة سيارة فاخرة وبتروح من شباك السيارة.. وواحدة ع الرصيف بتبيع درة بتروج بنفس الكلام.
< هي دي مصر دلوقت.. هي دي قاهرة المعز الآن.. توجد في عدم الاحترام وفقد الإحساس بالجمال ليس في النساء فقط. ولكن في الرجالة كمان.. حدث ولا حرج..
< كانت ليالي وليالي وقمر ونجوم وسهر وشجون.. أصول وقصور آثار وحواري .. قهاوي وبارات وعلامات وعادات.. وتحف ومتاحف وكتب ومجلات وفيلات وشوارع وحواري من حجر أسود صوان مرصوص كفصوص الرمان وبتدقه بعزم وشموخ خيول الخيالة والعربات الكارو وحديد الترماي.
< ونعمة الليل الحزين العاشق هجرته حبيبته.. وعسكري الدورية اللي بصفارته يهز الجدران وتختفي ذئاب الليل لما يصرخ وتعول مين هناك!!! آه يا زمان.
< كانت ليل وليالي وقهاوي الشعراء والأذباء الحكيم وطه حسين ومحفوظ عمنا بيرم وزكريا أحمد.. عشق ودلع شيوخ وشموخ وأزهر وكنيسة وهلال مع صليب وسعد والنحاس ووفد الفقراء والجدعان.. وعاشق جليلة الشيخ سيد درويش إبداع المزيكا وكلمات تغذي القلب الولهان ومسرح غنائي ورقص وغوازي وأوبرا حارة بيدق وتمثال إبراهيم باشا وأحمد رامي وثومة عربون محبة وعشق السنين.. وكانت فنون ولما زارنا رئيس الصين لم يجدوا فرقة تقدم فنون مصر.. كارثة.
< يا سلام عليك يا بيرم وسلطنة الشيخ زكريا مع حلاوة صوت أم كلثوم وأهل الهوي والآهات تتسلل من بين شقوق الهموم والقلق والحرمان وحقد العزول.
< تمشي شوية تلاقي شوارع حُسينها وشيء لله يا طاهرة.. وعلومك يا نفيسة وبركاتك يا شافية العليل.. ومجدك يا أزهر.. ومصر عتيقة الحكيمة المعاصرة والكنيسة العتيقة المعلقة ومعبد يهود وحد بتوع حارة اليهود كل ده معلق في ضمير وعق كل المصريين .. بتوع زمان.. قول الزمان إرجع يا زمان.
< عيالك يا مصر تاهت وسط المظاهرة رايحة تهتف بحب مصر والطاهرة ونيلك اللي شاهد علي عشاقك وحكاويهم والغرام ونواح العذاري.
< وروضة نيلك ونور قصورك ومِّيتك الحلوة وزهور الجنايني يا سلام علي مجري العيون وجنينة الأزبكية والقصر العيني والحلمية وبين السورين والمغربلين والخيامية.. فينك يا زمان.
< حلاوة زمان.. رسمت تاريخ مصر.. مهما تلف الأيام وتسقط الأقنعة وتدوب الأخلاق وتنحدر السلوكيات.. هوه فيه زي المصريين زمان اللي خططوا تاريخ لا ينكره لا زمن ولا جبان ويدور الزمان وكلنا نتذكر ونتندر ونتمايل مع ذكريات وأنغام وأخلاق وناس زمان ومهما يدور الزمان أنت قاهرة الزمان.. مصر المصريين التي كنت رقيقة نظيفة جميلة وبدر السما.
< كنت ساكتة حالمة منورة مزهرة.. ولما كانت تصحي هديرها يهد الزمان ويهرول العسكر الإنجليز وبرادعهم والغلمان..
< فكرتيني بالتلامذة زمان بالبدلة والكرافتة والطربوش فاكرين الخديوية والسعدية والسنية مدارس مدارس مش فصول البوكسر والشعر المدهون بدهون والكافيهات والرقص في الشوارع وقلة القيمة ومدرس الندامة ومهندس وطبيب وعامل اللقطة والسقطة والسبوبة .. فين زمان ورجالة زمان.
< انتباه.. انتباه لو كنتم بتحبوا الحياة.. وحدوا الصفوف واهتفوا واعملوا وانفضوا الكسل ليظهر الفجر.. اللي حيملا عيونا شوق لبكرة وبعده وللحياة.
< لسة لحد النهارة بعد ثورتين مش واضحة ملامح صورتي ويسألوني أقول هحاول لأ لازم تحاول ولا تقول فوق قدرتي الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة المهم العزم.
< كام واحد فينا قلبه مات.. كتير.. ليه تجري وراء نظارتي السودة فين أحلامك.
إنسي الغدر وارجع تاخد .. فيه طريق نور.. إكره ضعفك وإنسي السهل.
< ارفع الأقنعة واصطدم بالواقع المر في المجتمع المصري الشمس دايمة وحتروح فين.. اتشعبط في خيوطها.