نصف الدنيا
جيهان الغرباوى
قبلات فى الركن الأحمر
«القمر اليوم جميل.. مثل طبق صينى مكتمل الاستدارة..

فى قلب السماء واضح.. لامع ومنير ..

يا حبيبى كم أحبك..

آآهـ ه ه لو تعلم كم أحبك؟!»

إنها ترجمة بعض كلمات الأغنية التى رافقتنا على الطريق.. كان القمر يومها جميلاً حقاً..

بدراً مبتسماً فى السماء، لكنه يبدو قريباً أكثر من أى مرة، ودوداً وحميماً وأبهى من كل مرة ونحن فى السيارة على الطريق إلى شنغهاى أهم وأكبر الموانئ فى الصين، وأجمل المدن فى عيون العاشقين.

كان راديو السيارة، يذيع أغنية شهيرة حينها، للمغنية الحسناء «تيرنيتشي» التى يعتبرونها هناك «أم كلثوم الصين».

ماتت منذ عشرين عاماً، بعد قصة حب رومانسية طويلة، عاشتها وقتها ضد تيار المجتمع الصينى المتزمت ذى التقاليد الشيوعية الصارمة، التى تصل أحياناً لحد القسوة والظلم، ولا تتورع أحياناً أخرى عن سحق أزهار الحب الرقيقة.

لهذا لم تنته قصة حياة «تيرنيتشي» الجميلة نهاية حالمة سعيدة، مثل صوتها وأغانيها.. لكن الشباب والناس فى أنحاء الصين،مازالوا يسمعونها حتى اليوم، بتأثر وإعجاب شديد، وهى تغنى للحب والسماء والبحر والقمر!.. الحياة فى الصين الآن تتغير والأفكار تتبدل والعقول تنفتح على العالم، وتتنفس نسيم الحرية الشفاف بعد عقود طويلة من الاختناق، وعتمة الانغلاق.

ليت «تيرنيتشي» الجميلة عاشت هذه السنوات من حياة الصين، ورأت مثلى ومعى القمر فى سماء شنغهاي، التى صارت تناطحها الآن مئات الأبراج الزجاجية، ذات الإعلانات الملونة المتحركة، باهرة الأضواء، شديدة البهجة.

حرفياً تعنى كلمة «شنغهاي» ما فوق البحر.. لكنك فيها تستطيع بسهولة أن تحلق فوق السحاب، بأجنحة منطلقة فى أجوائها التى تفيض سعادة وحركة وفرحاً، وحرية، تحرض على الحياة، وتتجاسر على العشق، وتتألق شباباً وبهاء.

الأسماك الملونة هناك حية، تتحرك داخل أحواضها المنتشرة فى كل مكان تقريباً.

والأسماك عند الصينيين هى رمز الرزق الوفير والحظ السعيد.

يرسمونها كثيراً فى لوحاتهم الملونة ومعها حكم «كونفوشيوس» العظيم التى تنصح بالقناعة والرضا عن الحال وتوصى بزراعة النباتات ذات الشكل الجميل والرائحة الطيبة.

وفى الأماكن السياحية والمعابد، تستطيع أن ترى الأسماك منقوشة وبارزة على دوائر نحاسية كبيرة فى الأرض،هى صورة طبق الأصل من العملة النقدية فى الصين قديماً.

عليك –حسب المعتقدات هنا- أن تدور حول تلك العملة النحاسية أو تدبدب عليها بنعليك عدة مرات، لينالك من الحظ جانب وتضمن الثراء فى المستقبل!

رقم الحظ عند الصينيين 9والتفاح فاكهة مفضلة والأحمر سيد الألوان ورمز الحب والبركة، وهو اللون الرسمى لفساتين الزفاف التقليدية حيث تضع العروس فى شعرها بعض الورد الأحمر، ويكون لون موكب السيارات التى تزفها فى الشوارع من الأحمر القانى أيضا!

«الأحمر» هنا لون مقدس، منه اكتسبت الصين اسمها الشهير سياسياً وسينمائياً وأصبح لقبها «الركن الأحمر»، وهو أيضاً لون علمها، ولون الزينات الكرنفالية التى يعلقونها فى الشوارع، ابتهاجاً بالأعياد... اليوم اصطبغت الحياة فى مدن الصين بلون العولمة، وصارت ناطحات شنغهاى تنافس مثيلاتها فى نيويورك، وتركت العولمة بصماتها كذلك على المحلات والمطاعم وإعلانات الكوكاكولا العملاقة المضيئة فى الشوارع.

الشباب يرتدون الجينز والماركات العالمية (متقنة التقليد) ومن السهل جداً أن ترى فى طريقك (قبلة عاطفية) طويلة بين عاشقين، يتهامسان أو يتعاتبان فى هدوء، دون أن يحدِّق فيهما أحد، أو يستلفت المشهد أى اهتمام من المارة فى الشارع!

حرية الحب مكفولة، وتبادل القبلات والأحضان والعواطف مشهد معتاد الآن فى شنغهاي.

أين أنت يا تيرنيتشي؟!.. صوتها المنساب كالماء، والورد وفراشات الربيع، يجيبنا من مذياع السيارة المنطلقة على طريق العودة، وهى لا تزال تغني:

«القمر اليوم جميل...

يذكرنى بك يا حبيبي...

آآهـ ه .. لو تعلم يا حبيبى كم أحبك؟!»
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف