نصف الدنيا
عزت السعدنى
صدفة سعيدة.. أم صدفة «يعلم بيها ربنا»
قديما يعنى أيام أجدادنا العظام.. الذين أنجبونا وأتوا بنا إلى الدنيا كانوا يحدثوننا عن شىء اسمه «الصدفة».. وهى كلمة تقترب كثيرا وربما تلتصق بكلمة أخرى تتردد فى حياتنا اسمها «الحظ»..

والصدفة والحظ تقريبا واحد.. يعنى هما كلمتان تعنيان معنى واحدا.. هو أن الإنسان أى إنسان لا دخل له بما يحدث عندما تدخلان حياته فجأة وبلا مقدمات!

وقديماً قال أجدادنا: رب صدفة خير من ألف ميعاد..

يعنى إنك قد تصادف بالمذكر أو إنك بالمؤنث سوف تصادفين شخصا أو مشكلة عائلية.. أو ضائقة مالية.. أو تنفتح أمامك ليلة القدر فتكسب ورقة لوتارية ـ يعنى ورقة يانصيب ــ أو تفوز بجائزة عظيمة لم تكن تتوقعها لعمل ما.. تأليف كتاب أو دور في مسرحية أو فى عمل سينمائى أو تليفزيونى أو قصة أو رواية ألفتها إذا كنت أديباً.. أو قصاصًا أو مقال كتبته ــ إذا كنت كاتبا أو صحفيا ــ ليلقى القبول والرضى لدى شخصية مالية عربية كبيرة فتمنحك جائزة لم تكن تحلم بها في حياتك كلها.. لتتحول بقدرة قادر من كاتب كحيان ـوآسف للكلمةــ لا أحد يقرأ لك.. ولا أحد يلتفت إلى كتاباتك، إلى نجم الساعة و«الجيب مليان» والمزاج عمران دون أن تحسب أو دون أن تدرى!



والصدفة والحظ تقريبا شيء واحد ومعنى واحد.. وإن كانت الصدفة ترتبط دائما بمقابلة أشخاص أو التواجد في مكان معين.. أما الحظ فهو يرتبط عادة بأمور أكبر مالية أو عائلية أو وظيفية.. فلوس كتير.. أو ترقية فى الشغل.. أو إنسانة تحبها كده من الباب للطاق وتتكعبل فيها.. يعنى تتزوجها فى النهاية ــ وآسف برضه للتعبير ــ باعتبار أن الزواج يا إما يكون صدفة سعيدة أو صدفة يعلم بيها ربنا حسبما تكون أنت وحسبما تكون هى..

فالزواج ـ كما قالت لى جدتى لأمى وهى سيدة تركية الأصل من اسطنبول ــ يا إما يكون لمبة منورة.. أو ليلة كحل ــ برفع الكاف وسكون الحاء واللام ــ على دماغك.. أو سنان هاتمة مكسرة.. هكذا قالت جدتى لأمى!

أما الحظ.. أنتم تسألون.. ماهو الفرق بينه وبين الصدفة؟

والجواب لجدتى لأمى برضه كما سمعته منها يوماً: الصدفة مجرد أنك تصادف في حياتك إنسانة ما فى محطة قطر.. فى مدرج جامعة.. أو حتى في مولد السيد البدوى.. ولكن الحظ أن تقع فى حبها وتتزوجها.. الصدفة تأتى أولا.. مجرد لقاء عابر.. أما الحظ فإنه يأتى بعد ذلك كأن يرتبطان معا برباط الجواز.. يا إما يوم سعدك وهناك.. يا إما بداية أيام النكد الكبرى!



وقديما قالوا: رب صدفة خير من ألف ميعاد..

يعنى: إن الصدفة قد تضع لك أشياء لم تكن تحلم بها.. بعيدا عن الارتباط بميعاد أو الوعد أو لقاء معين.. يا تصيب يا تخيب.. يعنى موعد بلا نتيجة.. لا خير ولاشر.. ولكن فى هذا الميعاد قد تجلس إلى جوارك بالصدفة امرأة جيزبون من قبيلة قراشانات هذا الزمان.. «تلفك وتاكل بعقلك حلاوة» ــ كما يقولون ــ وقعدة معاها أو قعدتين تلاقيك متلفح بيها كما الحية.. وتاخدك من بيتك ومن أولادك وتغرقك فلوس ــ وانت طول عمرك بتستلف يوم خمسة منه ـ كما يقولون..

وتبص تلاقيك متلفح بيها كما الحية الناعمة حول عنقك.. ما هى اشتريتك بقى بفلوسها.. بعدها تاخد على العز وأكل الوز.. زى ما بيقولوا.. وماتقدرش «تفلفص منها».. دول يا عزيزى بنسميهم: «خرابات البيوت العمرانة».. والصدفة أو حظك الأسود وقعك فى طريقهن!



وقد سألت صديقا قريبا منى: إيه يا باشا اللى عملته الصدفة في حياتك؟

قال لى: والنبى ماتفكرنيش.. لأن الصدفة دى لسه عايشة معايا لحد النهاردة.. وكانت صدفة أن أقابلها هى!

أسأله: من هى هذه يا بدر الدجى؟

قال: الست بتاعتى وأم أولادى.. حظى فى دنيتى!

قلت له: لكن انت متجوز من زمان.. وعندك أولاد وبنات يشرحوا القلب.. وانت إنسان محظوظ وكلنا أصحابك والشلَّة كلها بتقول كده!

قال: ده كان زمان.. لكن دلوقتى تحولت هى إلى وحش كاسر!

أسأله: إزاى؟

قال: أصيبت بعدما كبرت بداء اسمه «الشك».. حول حياتى كلها إلى جحيم!

قلت له: يعنى الصدفة الجميلة اللي خلتك تتجوزها.. تحولت مع الأيام إلى صدفة غير سعيدة بالمرة!

قال: أيوه لكن فات الوقت لعلاجها من هذا المرض اللعين اللى اسمه «الشك» الذى تحوّل مع الكبر إلى حاجة اسمها الوسواس!

قلت له: تقصد «الوسواس الخناس» زى ما بيسموه!

قال: بالضبط!

ومازلنا مع حديث الصدفة أو الحظ!



كلمات عاشت:

«جنازته.. ولا جوازته!». مثل بلدي شائع
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف