د. محمود خليل
تجار الوطنية.. «المطبعاتية»
الذين أهلكوا رؤوسنا بأحاديث المؤامرة يطبعون العلاقات مع إسرائيل، الذين اتهموا من شارك فى يناير بالعمالة لطوب الأرض، ومن بينه إسرائيل، يلتقى أحدهم السفير الإسرائيلى، والآخر يطبع ويتعامل مع مكاتب إسرائيلية!. من حق كل إنسان أن يسلك فى دنيا السياسة، كما شاء وشاء له هواه. أحدهما قال: على من يلومنى على دعوة السفير الإسرائيلى أن يراجع اتفاقية «كامب دافيد». عنده حق فى هذا، لكن شأنه شأن كل المطبعين، يتغافل عن أن التطبيع الرسمى المؤسس على اتفاقية السلام 1979، مرفوض على المستوى الشعبى.
لقد سمعت المرحوم الدكتور محمد شعلان يتحدث، بعد فترة قصيرة من التطبيع الرسمى، الذى قوبل برفض شعبى، عما أطلق عليه «الحاجز النفسى» الذى يحول دون بناء علاقة طبيعية على المستويات الشعبية المصرية والإسرائيلية، وهو مصطلح شاع وراج -من بعد- فى الخطابات السياسية، وبعد مرور ما يقرب من أربعة عقود على ظهوره لم يزل الحاجز النفسى قائماً، والمسألة فى ذلك لا ترتبط بحالة «نفسنة»، قدر ما تتعلق بأسباب موضوعية، من بينها عدم تراجع إسرائيل عن أطماعها التوسعية فى المنطقة، وإصرارها على جرح مشاعر المسلمين بترك متعصبيها يعيثون بشكل يومى فى المسجد الأقصى، بالإضافة إلى العثرات المستمرة التى يضعها المسئولون الإسرائيليون على طريق مفاوضات السلام مع الفلسطينيين. هذا على المستوى العام، أما على المستوى الخاص المتعلق بمصر فبإمكاننا أن نشير إلى الدور الذى لعبته إسرائيل -ولم تزل- فى دعم سد النهضة.
لقد كشف المهندس السودانى حيدر يوسف -فى حوار له مع موقع «دوت مصر»- عن أن مبادرة حوض النيل فى أساسها «فكرة صهيونية» نشأت فى إسرائيل، وبدأ الإعداد لها عام 1988 من خلال دراسة أعدها «هاجى إيرليخ»، خبير المياه الإسرائيلى، وتم الانتهاء منها عام 1992، ومولتها كل من «المؤسسة الإسرائيلية للعلوم» و«معهد السلام الأمريكى». وفحوى هذه الدراسة أن النيل سيصبح «مسألة حياة أو موت» بالنسبة لدول المنبع من ناحية، والمصب من ناحية أخرى، وانتهت الدراسة إلى ضرورة قيام إثيوبيا ببناء 26 مشروعاً مائياً من بينها «سد النهضة»، على أن يتم البدء فى إنشاء تجمع أو مبادرة لحوض النيل، تلغى الاتفاقيات التاريخية السابقة، وتجمع دول المنبع فى اتحاد جديد.
المضحك فى أمر «المطبعاتية» أن داعى دعاة السفير الإسرائيلى، صرح -بعد «العزومة»- بأنه دعا السفير للتدخل لدى المسئولين الإسرائيليين لحل أزمة سد النهضة، وهو أمر لا يعكس اهتماماً بواحدة من كبرى قضايانا الوطنية، قدر ما يعبر عن سذاجة تليق بصاحبها، فكلامه لن يفرق فى شىء مع صانع القرار الإسرائيلى، الذى يعتمد على بوصلة وحيدة فى اتخاذ القرار، هى «المصالح»، وهى ذات البوصلة التى يعتمد عليها صانع القرار الإثيوبى الذى يوشك على إنجاز مشروع السد، رغم ما تبديه مصر من مخاوف. «المطبعاتى» الساذج يظن أنه قادر على خداع البسطاء من خلال الربط بين «عزومة السفير» وبين أحد همومنا القومية. نحن لا نتهم أحداً فى وطنيته، ونؤمن بأن من حق كل إنسان أن يؤمن بما يريد، وأن يسلك كما يريد، لكن الأمر يختلف عندما يتصادم الرأى أو الفعل مع ثوابت وطنية، يتفق عليها الجميع على اختلاف توجهاتهم، خصوصاً إذا كان «المطبعاتية» اثنين من كبار تجار الوطنية!.