المساء
محمد جبريل
من المحرر- الشاروني وملامحه الخليجية
اجتذبت منطقة الخليج في الاعوام الاربعين الاخيرة موجات بشرية تبحث عن الثراء وفرص العمل. بينما حاولت قلة ان تعيد اكتشاف المنطقة ودراستها. لعاملين: أولهما حضارتها الموغلة في القدم من ناحية. وثانيهما قيمتها الاهم في عالمنا المعاصر.
ولان يوسف الشاروني مبدع وناقد كبير. فقد جعل من فترة عمله في منطقة الخليج محاولة للتعرف إلي التاريخ والجغرافيا وقيم الحياة.. عمل الشاروني مسئولاً للعلاقات العامة في شركة نفط.. وحين توالت اسهاماته التي تحلل وتناقش وتصل الماضي بالحاضر وتستشرف آفاق المستقبل. يسرت له وزارة الاعلام العمانية تفرغاً بحيث لاينشغل إلا بالتنقل في مدن السلطنة وقراها ومناطقها الثرية. ويلتقي الناس. ويشاهد ويقرأ ويراجع ويسجل الملاحظات.. إن عين المبدع تلتقط ما لاتتبينه عين الانسان العادي.. وقد كتب الشاروني مئات الاوراق التي تقدم البيئة العمانية - بكل ابعادها الحضارية والمدنية- في ضوء جديد.
يلحظ الشاروني جغرافية عمان في ثنائيات مثل الجبال والوديان. والواحات والصحراء. والبر والبحر. والساحل والداخل.. محاولات العمانيين في التكيف مع تلك الثنائيات هي محور الحضارة العمانية.. وعلي سبيل المثال. فإن لقاء البر والبحر حيناً. وصراعهما أحياناً أخري قد تكفل به أبناء الساحل. فالبحر هو الذي علمهم بناء القوارب والسفن وصيد الاسماك والمغامرة إلي المجهول.. وكانت الحركة من البر إلي البحر للتجارة أو لنشر العقيدة أو للهجرة.. والثابت تاريخيا أن العمانيين نشروا حضارة الاسلام في شرق افريقية. وظلت زنجبار إلي أوائل الستينات من هذا القرن تابعة لسلطنة عمان.. والليمون والتمر والنارجيل محاصيل عمانية مهمة. لها تأثيرها وانعكاساتها في مجالات الحياة. بدءا بالتاريخ وانتهاء بالاقتصاد مرورا بالمعاملات اليومية.
والحلوي العمانية لها شهرتها في منطقة الخليج. يسألك المسافر إلي مسقط من الكويت أو الدوحة أو المنامة أو الرياض: هل تريد شيئاً من مسقط؟.. تجيبه بعفوية: حلوة عمانية!.. وترتبط الحلوي العمانية- كما ترتبط التمور العمانية- بشرب القهوة. فالقهوة العمانية- شأنها شأن القهوة العربية في دول الخليج- يتم انضاجها بدون سكر. والحلوي والتمور بديل عن السكر. واقترانهما معاص يدل علي كرم المضيف. والزي العماني يختلف عن مثيله في الجزيرة العربية فثمة شرشابة "فريخة" تتدلي من فتحة الدشداشة أعلي الصدر. وغطاء الرأس في مناطق الداخل عمامة من قماش أبيض ناصع. بينما يضع سكان الساحل الكمة علي رءوسهم. ويوضع حول الوسط حزام من الخيوط الفضية لحمل الخنجر الذي يعد جزءاً ثابتاً من مظهر الرجل العماني.. أما المرأة فهي ترتدي ثوباً طويلاً له أكمام طويلة. متعدد الالوان. وقد تضع علي الرأس غطاء طويلاً بحيث تجره وراءها عند السير. وتعد صناعة الفضة- ربما لانها تدخل في صناعة الحزام والخنجر فضلاً عن السلاسل والعقود التي تتحلي بها النساء- من أهم الصناعات التي تجد رواجا في أنحاء العالم. أما العمارة فهي تتنوع تتنوع الظروف المناخية والمائية والسطحية لكل منطقة اسلوبها الذي يختلف عن بقية المناطق وإن أفلحت العمارة العمانية الحديثة في الجمع بين أصالة العمارة التقليدية والطرز المعمارية المتوائمة من إيقاع العصر والقلاع ملمح يصعب إغفاله في العمارة العمانية. أنت تصادف العديد من القلاع والحصون الهائلة في معظم مدن السلطنة. مثل قلاع نزوي والرستاق والحزم والجلالي والميراني وحصن جبرين إلخ..
أما الابداعات الادبية. فقد عرف العمانيون بعض الاشكال القصصية التي عرفتها مرحلة الادبين الشفاهي والمدون. كما عرفوا وجود خيط قصصي في بعض اشعارهم. مثل وجود التتابع الزمني للاحداث كاستخدام الفعل الماضي وحروف العطف واختلال المعني إذا حذف بيت من الشعر أو تغير مكانه وعدم استقلال بيت الشعر أي ارتباطه بما قبله وما بعده لانه جزء من السياق القصصي. وإذا كان الشعر يبدأ ببداية الحضارة العمانية فإن أول ابداع قصصي عماني بالمعني الحديث للراحل عبدالله الطائي ونذكر روايته "ملائكة الجبل الاخضر" و "الشراع الكبير". ثم تعددت المحاولات الشعرية والقصصية لشباب اضافت معطياتهم إلي الابداع العربي بعامة.
والحق ان المساحة المتاحة تضيق عن تسجيل كل الملامح التي التقطتها عين الفنان من الحياة العمانية. لكن الامل يحدونا في ان تتعدد الاعين التي تحاول التعرف إلي أبعاد الحياة في منطقة الخليج. فهي منطقة حضارة قبل ان تصبح موئلاً للباحثين عن فرص العمل!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف