مؤمن الهباء
شهادة- بيان الحكومة.. التأجيل والتعديل
حسناً فعلت الحكومة بتأجيل بيانها أمام مجلس النواب إلي ابريل القادم.. فقد أعطت لنفسها فسحة من الوقت لعلها تعيد حساباتها وتراجع مواقفها ولعلنا نلتقط أنفاسنا قبل أن تدهمنا بقراراتها المؤلمة.
بصريح العبارة.. كل الإشارات التي تصدر عن الحكومة هذه الأيام لا تبشر بالخير.. وبيان الحكومة لو قدم اليوم لن يخرج عن الكلام الكثير المتداول في الأوساط الرسمية.. وهو كلام ملغوم بأحزمة ناسفة قد تنفجر فينا وقد تنفجر في الحكومة.. لذلك كان التأجيل هو القرار الأمثل.. ومع التأجيل يجب أن يكون هناك تعديل.. بعد أن لمست الحكومة حجم ردود الفعل الغاضبة إزاء "القرارات المؤلمة" التي بشرتنا بها.
ماذا في جعبة الحكومة كي تضعه في بيانها؟
للأسف.. الحكومة تحدثنا كثيراً عن ضرورة إصلاح عجز الموازنة وحجم الدين الهائل.. وضرورة تخفيض فاتورة الدعم.. وهو ما يعني مباشرة زيادة أسعار الخدمات الأساسية والسلع التي تقدمها.. الكهرباء والغاز ومياه الشرب والبنزين الذي انخفضت أسعاره في العالم كله وتريد الحكومة أن ترفع أسعاره في معادلة معكوسة وغريبة.
وربما تنسي الحكومة أن هذه هي المرة الثانية التي تقرر فيها رفع الأسعار.. وربما تنسي أنها حين رفعت الأسعار في المرة الأولي اشتعلت اسعار السوق في كل السلع والمواد الغذائية والمواصلات.. ولم تكن في يد الحكومة ولن تكون أية وسيلة فاعلة لمواجهة طوفان زيادة الاسعار.
وتحدثنا الحكومة كثيراً عن جاهزيتها لتطبيق ضريبة القيمة المضافة وكأننا في حاجة إلي مزيد من الضرائب.. أو كأن هذه الضريبة ستحمل معها مفتاح الحل السحري لأزمة عجز الموازنة وقلة الموارد.
والآن.. ماذا يجب علي الحكومة أن تفعل كي تقدم بيانا محترما أمام مجلس النواب؟!
بعيداً عن الصياغات الفضفاضة والكلام الإنشائي البديع.. يجب أن تفكر جدياً في تقديم خطط وبرامج محددة لإصلاح الهيكل الاقتصادي للدولة لإعادة تشغيل المصانع المغلقة.. والشركات العائدة من الخصخصة.. واستعادة حق الدولة من ناهبي المال العام والأراضي.. بالإضافة إلي التزام واضح وصريح ببناء مؤسسات سياسية وقضائية وإدارية تؤدي عملها بكفاءة وتخضع للمساءلة والمتابعة.
لم يعد يجدي اللجوء إلي لغة التسويق المستقبلي.. لغة الإحالة دائما إلي "سوف".. فقد تراكمت الأزمات والديون حتي بلغت حدود الخطر.. ولا مهرب من المواجهة الشجاعة بسياسات واضحة المعالم وخطط محددة تحمل تواريخ ومواعيد منضبطة.. ليس مهماً أن تكون معدلات الانجاز كبيرة وغير مسبوقة.. نحن نرضي بالقليل.. ويكفينا أن نتأكد من أن الحكومة جادة وتسير علي الطريق الصحيح الذي يوصلنا إلي أهدافنا وإن طال الزمن.
وملفات الاصلاح واضحة ومفتوحة ومعروفة.. فالشعب ينتظر قرارات منصفة - وليست مؤلمة- لتحسين التعليم ومكافحة الفساد وزيادة الدخل ومحاربة الفقر وإصلاح العشوائيات ومواجهة البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الرعاية الصحية المناسبة في حدود ما تقتضيه الضرورات الانسانية وتبني معايير حقوق الإنسان وضبط الأداء الحكومي والسيطرة علي الدولار ومواجهة الارهاب وإصلاح المنظومة الأمنية.