الوطن
جمال عبد الجواد
خطابات الرئيس
الرئيس السيسى يتواصل مع الشعب عن طريق الخطابات. خطابات الرئيس فرصة ثمينة للاطلاع على ما تم إنجازه وعن العقبات التى تعترض الطريق، ولى على خطابات الرئيس ثلاث ملاحظات: الانحياز المسبق لرؤية تنموية محددة دون اعتبار للاجتهادات البديلة، وتجاهل السياسة، والحوار من طرف واحد. الرئيس يبذل جهداً، ويضع خططاً، ويتدخل فى تفاصيل تنفيذها، ونتيجة جهده واضحة فى قطاعات أهمها الطاقة والطرق، وأعتقد أن نتاج هذا الجهد فى مجالات الإسكان والمشروعات الصغيرة سوف تصبح محسوسة قريباً. الإنجازات لا تنفى المشكلات، وبعضها هيكلى، بدءاً بترهل وفساد البيروقراطية وانتهاء بنقص العملات الحرة وما يؤدى إليه من نقص السلع التموينية ومدخلات الإنتاج، الرئيس لديه رؤية تقوم على أولوية الاقتصاد والبنية التحتية، أنا شخصياً أتفق معه فى هذه الرؤية، ولكن ضمن هذا الإطار هناك مساحة واسعة للعديد من الاجتهادات لا تسمح الطريقة الراهنة فى اتخاذ القرار باختبارها أو أخذها بعين الاعتبار أو حتى تفنيدها حتى تزيد الثقة وتطمئن القلوب، لا يمكن اختزال الاقتصاد فى مشروعات قومية كبرى ولا فى استثمارات تضخها الدولة ولا فى توسع الدولة والهيئات التابعة لها فى تأسيس وامتلاك المشروعات، بيانات الشركات الجديدة التى تم تأسيسها وحجم رؤوس أموالها، وكذلك الشركات التى تعلن إفلاسها، كل هذه -فى وجهة نظرى- مقاييس أكثر دلالة على التنمية الاقتصادية من المشروعات الاقتصادية الكبرى التابعة للدولة، وبالمناسبة لم تعد الحكومة تنشر هذه البيانات بعد أن كان مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ينشرها بشكل شهرى. البنية التحتية أكبر كثيراً من الطرق والمطارات والموانئ، شبكات المياه والصرف الصحى والكهرباء والترع والمصارف ومنظومات جمع القمامة فى المدن والريف هى أيضاً جزء من البنية التحتية، الشوارع الداخلية فى المدن والقرى وليس فقط الطرق الكبرى الواصلة بينها هى جزء من البنية التحتية، ومثلها علامات الطرق وإشارات المرور، وكلها يساهم فى زيادة الإنتاج وتطوير الاقتصاد وتحسين معنويات الناس وثقتهم فى الدولة وحرصها عليهم والاهتمام بهم. صيانة البنية التحتية القائمة ورفع كفاءتها وليس فقط إضافة المزيد منها، هو تطوير واستثمار فى البنية التحتية، العاصمة الجديدة جزء من البنية التحتية، وكذلك العاصمة التاريخية وكل مدن مصر، ومن غير الواضح لماذا هذا الانحياز للجديد على حساب القديم، يسعد المواطن عندما يهبط فى مطار القاهرة الجديد -الذى لم يعد جديداً- لكن يصيبه الغم عندما يخرج إلى ساحة انتظار السيارات، مع أنها أيضاً جزء من البنية التحتية، المطار يؤكد قدرة الدولة على التعاقد مع المقاولين لتصميم وتنفيذ مطار ممتاز، ساحة انتظار السيارات تشير إلى فشلها فى إدارة ما لا يمكنها الاستعانة بالمقاولين لإدارته، وهذا لا يعزز الثقة، ترتيب أولويات الاستثمار فى البنية التحتية موضوع فيه اجتهادات كثيرة وآراء متعددة، وأحاديث الرئيس لا تدلنا على السبب الذى من أجله تم تبنى بدائل معينة دون الأخرى.

أحاديث الرئيس تتجاهل السياسة، السياسة هى إدارة الناس والعلاقات بينهم، الناس متنوعون ومختلفون ومتنازعون ولهم مصالح وآراء متعددة، فيما أحاديث الرئيس تركز على الأمن القومى وعلى مصر التى نحرص عليها جميعاً ولو بطرق مختلفة، إدارة الاختلاف عبر الاعتراف بشرعيته ومشروعيته وليس فقط التأكيد على المشترك الوطنى الذى يجمعنا جميعاً هو السياسة الغائبة عن أحاديث الرئيس، مستوى الاختلافات السياسية فى مصر ضحل وشخصانى وانتهازى فى أغلبه، وهذا ما فعلته فينا عقود مصادرة السياسة الطويلة، من يقبل مصر ويحبها ويسعى لنهضتها بكل ما فيها من عشوائية وفساد وترهل وعدم كفاءة عليه أن يقبل بتواضع مستوى السياسة فيها، ويمد يده لاستنهاضها كما يفعل فى الاقتصاد والبنية التحتية.

عندما يلقى الرئيس خطابه فإننا نستمع له منصتين، ولكن الفرصة لا تأتى أبداً لكى نُسمع الرئيس أصواتنا، خطابات الرئيس هى حديث من طرف واحد، فلا إمكانية للحوار مع الرئيس، لا أدعو الرئيس لإهدار وقته فى التحاور مع عموم الناس وفرادى المثقفين والكتاب، ولكنى أتوقع منه التحاور مع أصحاب الرأى والمصلحة المنظمين فى مؤسسات حزبية ونقابية وجمعيات أهلية رئيسية، لا أعرف ماذا يمكن لحزب المصريين الأحرار أو الوفد أو المصرى الديمقراطى الاجتماعى أن يفعل إذا أراد التحاور مع الرئيس حول السياسات التى يطبقها، التحدث إلى ضباط الأمن هو السبيل الوحيد المتاح حالياً للتواصل مع الرئيس وأهل الحكم، وهو سبيل شاذ، ولا نعرف شيئاً عن المآلات التى ينتهى لها الحوار عبر هذا السبيل.

الرئيس مشغول، كان الله فى عونه، ووقته لا يسمح بالتحاور مع كل من طرأت له فكرة أو رأى، وهكذا هم الرؤساء فى كل بلاد الدنيا، ولكن فى كل بلاد الدنيا يوجد للرئيس كثرة من المعاونين والمستشارين المعروفين يتولون الحوار والتواصل نيابة عن الرئيس، ويساهمون فى صياغة السياسة العامة والقرارات وفقاً لما يسمعونه من آراء مختلفة، فى بلاد أخرى يكون للرئيس حزب سياسى يمثله ويتولى الحوار باسمه، فيما ظروفنا التاريخية حرمتنا هذه الوسيلة، المجالس المنتخبة هى المكان الطبيعى لإدارة الحوار السياسى، لكن عباقرة تصميم القوانين والمؤسسات عندنا نجحوا فى إنتاج مجلس للنواب فوضوى معدوم السياسة، لا نسمع فيه سوى مطالبات بزيادة البدلات والمكافآت، وخناقات عكاشة ومرتضى، ورئيس مجلس متواضع الإمكانيات.

الرئيس يدعونا للتوحد والاصطفاف حول رؤيته، ولكن الاصطفاف الوحيد الممكن هو ذلك الذى يقوم على التفاعل والحوار والاقتناع والإقناع، وليس الذى يقوم على الاستماع والتسليم والانصياع، أطراف الحوار شركاء يتحملون المسئولية، فيما المنصاعون متفرجون سلبيون مستعدون للتخلى والتهرب من المسئولية عند أول منعطف.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف