**انتخاب السويسرى الجنسية والإيطالى الأصل جانى إنفانتينو، رئيسا للفيفا، كان انتخابا للمستقبل، والإعلان عن بدء حقبة جديدة من كرة القدم، وبدون جوزيف بلاتر الرئيس الأسبق، الذى أعلن مرات أنه لن يخوض الانتخابات ثم خاضها، واشتهر بأنه مثل ساحر يمسك بقبعة، وكلما اشتدت حوله الرياح وعصفت، يجمع مريديه، ويخرج الأرنب الأبيض من القبعة، ويضحك الجمع نفاقا، أو إعجابا.
** إنفانتينو تعنى بالإيطالية الطفل. لكن الرجل نجح فى الفوز بثقة كونجرس الفيفا، بخطابه المصبوغ بخمس لغات، وهى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإسبانية. وأقنع الحضور بتفكيره العملى، وبتجربته فى الاتحاد الأوروبى، وبوعده بمنح كل اتحاد وطنى خمسة ملايين دولار خلال أربع سنوات.
** هذا المحامى الحائز على دراسات فى الإدارة، لم يكن المرشح الأوفر حظا عند الخبراء والنقاد والصحف والإعلام العالمى. فكان المرشح الأول هو الشيخ سلمان بن خليفة، رئيس الاتحاد الآسيوى .واستند هؤلاء الخبراء على أن إنفانتينو هو ظل بلاتينى الاحتياطى، وليس بالضرورة أن يكون الاحتياطى لاعبا يملك مهارات اللاعب الأساسى. إلا أن الاحتياطى حين حصل على فرصته أقنع الجميع بمهاراته، وفتح ثغرة فى دفاع خصومه، بخطأ من هذا الدفاع، ومن تكتيكاته، وهو خطأ عربى شهير، عمره قرون من الزمان، يسمى الانقسام، فلو أن العرب اتفقوا على مرشح واحد لربما نافس الشيخ سلمان بقوة أكبر، ولا أعنى بذلك ضمان الفوز، لأن إنفانتينو شديد القوة بخطابه العملى والمتنوع بعدة لغات وفيه لمسة التجديد، وبعيد عن تقليدية الطرح والخطاب العربى!
** خرج الفيفا من عاصفة وهى أسوأ أزمة تواجه مقر جمهورية كرة القدم فى زيوريخ على مدى 112 سنة، وأسفرت حتى الساعة عن إلقاء القبض على 39 شخصا منذ انفجرت الأزمة قبل تسعة أشهر. ولأول مرة منذ عقود، يضبط الفساد متلبسا، مع أن شبح الفساد ظل يرتع ويلعب فى أروقة الفيفا، وفى ملاعب كرة القدم كما يشاء، وكان مشهودا بالمنطق، لكن المنطق والتفكير العقلى، يصنع الفلاسفة، ولايصنع الأدلة. فمنذ معركة بلاتر ويوهانسون، ثم معركة بلاتر وحياتو، ثم معركة ألمانيا مع جنوب أفريقيا، ثم معركة جنوب أفريقيا والمغرب، كان الفساد صاخبا، ومع ذلك لا يمكن الإمساك به، حتى جاءت معركة كأس العالم 2018 و2022، فلماذا كان التصويت على البطولتين فى اجتماع واحد؟!
** أجاب بلاتر: «لأسباب تسويقية».. ولم تكن الإجابة مقنعة. ولم يكن اختيار قطر لتنظيم كأس العالم فى الصيف مقنعا لأى طفل، وكم كان مذهلا محاولة تمرير وتبرير هذا الاختيار، ثم كم كان مذهلا تعديل موعد البطولة لتقام فى الشتاء، بعد عمليات جس نبض، ومفاوضات، وتهديدات مازالت قائمة للأجندة الرياضية الدولية، ومطبات قانونية للشركة التليفزيونية الأمريكية التى تعاقد معها الفيفا لنقل مباريات كأس العالم فى روسيا وقطر.
** فساد الفيفا لم يكن فى حاجة إلى أدلة المباحث الفيدرالية الأمريكية، وإلى تحقيقات القضاء السويسرى. الفساد كان مشهودا بالمنطق. إلا أن المنطق لم يكن كافيا لتحرك جهات التحقيق، أو لم يكن مهما عند من يرون الفساد ويملكون الأدلة، لرغبتهم فى غض النظر، وهذا أيضا فساد؟!