هل امتلك الرئيس السيسي عصا موسى حتى نحمله مايفوق طاقته ، وهل يوجد في أي بلد بهذا العالم رئيس يلعب كل الأدوار على مسرح الحياة ، الاجابة بكل بساطة أنه لايوجد شخص على كوكب الأرض يملك عصا موسى ولا قدرة على القيام بكل المهام المنوط بها أناس آخرون تبوأوا مقاعدهم القيادية صغرت أم كبرت
لكننا في مصر نصر دائما عبر التاريخ على أن نحمل رئيسنا كل همومنا ، ونلح على استدعائه لحل أي أزمة مهما صغر شأنها ، لاننا ببساطة اعتدنا التعامل مع الرئيس على أنه الأب القادر على الحل والمنقذ من أي مشكلة ، بعدما أدمنا عبارة بناء على توجيهات السيد الرئيس.
لكن الأمور لاتستقيم مع هذا الوضع الذي يمنح الكثيرين مواطنين ومسئولين ـ اللجوء الى الحل السحري في استجداء تدخلات الرئيس، فهل من المنطق أن يتدخل الرئيس لحل مشكلات من نوعية تشابه الاسماء او دخول الجماهير للملاعب، وإجراءات توزيع الاراضي والشقق وبطاقات التموين واستخراج الوثائق والتعيينات، وهو مطالب أيضا بأن يعتذر عن الاخطاء الشخصية للافراد المحسوبين على الشرطة ومحاربة الفساد في دوائر التعامل مع المواطنين، وغيرها من المشكلات التي تؤرق حياتنا رغم صغرها.
نعم هناك مسئولية ادبية وأخلاقية تقع على عاتق أي مسئول صغر أم كبر ، تجاه أي قضية أو تقصير أو خروج عن النظام العام لأي موظف يقع تحت دائرة مسئوليته أو ضمن فريق عمله ، وبالتالي هناك مسئولية على الوزراء ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية في كل مايحيط بالمجتمع من مشكلات وقضايا ، لكن أن تكون المسئولية على شخص واحد فقط في هذا البلد ، فهي أمر لايقره عقل ولا منطق ولايرضاه ضمير ،إذا كنا نؤسس لدولة مؤسسات وعلى مسئوليها أن يضطلعوا بمسئولياتهم ،
من هنا فإن العقل يستصرخ أصحاب الضمائر في هذا المجتمع وفي المقدمة منه رجال الإعلام وموجهو الرأي العام ، ان يخلصوا النية للوطن ، ويقوموا بدورهم الايجابي في رصد الاخطاء والتجاوزات والخروقات للقانون أو الاخلاق ويلفتوا نظر المسئولين ويدقوا ناقوس الخطر دون تهويل لإيقاظ الغافلين ، فليس لدينا رفاهية الوقت ، ولا نرفل في نعيم الرخاء.
أما الخروج على المنطق من باب البحث عن شهرة زائفة ونفاق مجتمعي ، بإلصاق كل نقيصة بالنظام وتحميل الرئيس مسئولية كل مشكلة بل ومطالبته بالتدخل لحلها ، متناسين ماسبق أن طالبوا به هم أنفسهم ، من أن الدولة بلغت حد الفطام والنضج ، وأنهم يريدون الرئيس السياسي وليس الرئيس الأب ، لكنهم سرعان ما انقلبوا على آرائهم وقناعاتهم ، وكأنهم يتصيدون الفرص للوقيعة بين الرئيس والشعب ، والا فبماذا نفسر إصرارهم على الحديث عن شعبية الرئيس والادعاء بتراجعها ، رغم أنهم لم يجروا استطلاعا للرأي ليبنوا عليه آراءهم.
إذن هي السفسطة على حساب السلم المجتمعي ، نعم هناك أخطاء ، لكن ليس كل خطأ أو مشكلة يكون الرئيس وحده المسئول عن حلها وإلا فلا داعى لوجود حكومة ووزراء وقيادات في كل الهيئات ، فالرئيس لديه ما يكفيه من الهموم التي تستغرق يومه مابين الشأن الداخلي وما أعقده والخارجي وما أصعبه.
إن الرئيس كان واضحا في بيان ترشحه للرئاسة عندما قال : (اعينوني بقوة ) فهل اعناه في مسئوليته ، هل قام المجتمع بدوره من خلال الافراد فالتزموا القانون وراعوا القيم المجتمعية في سلوكياتهم ، وأدوا أعمالهم بضمير وأمانة ، وهل التزم كل مسئول بأسس العدل والمساواة بين مرءوسيه وشجعهم على بذل اقصى طاقة من أجل الانجاز، والأمر هنا ينطبق على كل المصالح والهيئات من المدرسة والجامعة الى المصانع والمؤسسات ، من المدرس والناظر وحتى المدير والوزير ، والامر يمتد الى أجهزة الدولة التي تتعامل مع المواطنين ، في كل المصالح من أقسام الشرطة والمرور ومصلحة الشركات والاستثمار والموانئ والمطارات وغيرها من الهيئات ، هل سهلنا على المواطنين في قضاء حوائجهم، هل جددنا القوانين وعدلنا اللوائح لنختصر الوقت، هل نفذنا قرار الشباك الواحد الذي يشكو من غيابه المستثمرون وتضيع بسبب غيابه وتعقيدات البيروقراطية العديد من فرص جذب المستثمرون العرب والأجانب
الرئيس أيها السادة هو المايسترو الذي يوزع الأدوار ويراقب مع أجهزته الرقابية أداء فريق العمل ،الرئيس يوجه ويرسم الاستراتيجيات ويحدد الأهداف ويسهل الاعتمادات ، لكنه لايملك عصا موسى التي تمكنه من تغييرواقعنا ، كما انه لايملك رفاهية إقالة الحكومة كلها او أحد وزرائها كل يوم ، فهذه الاجراءات تربك دولاب العمل في الوزارات ولا تمنحه الاستقرار المطلوب للانجاز.
إن كل فرد في هذا الوطن مسئول بحد ذاته عن سلوكه وعن عمله وعن اسرته ، ولو قام بالدور المطلوب حقا في هذه المسئولية فضبط سلوكه والتزم بالقيم والاخلاقيات العامة ونقلها الى أولاده وحضهم على التمسك بها ، وراعي ربه وايقظ ضميره وبذل الجهد في العمل واحترم الخصوصيات والحريات وآداب الطريق لحلت نصف مشكلاتنا، ويتبقى النصف الثاني الذي هو دور النظام المسئول عن انتظام دوران المجتمع كل في مجاله ووقته بالضبط، وهذا لن يتم إلا بإعلاء قيمة الوقت وتفعيل القانون على الجميع ، ساعتها سيتحمل كل فرد مسئولية خطئه، ولن يصبح الخطأ الشخصي مسئولية جماعية للهيئة التي ينتمي اليها ، أما ترك الامر للعشوائية والتواكل والاكتفاء بالتنظير ، وتحميل الرئيس مالايطيقه بشر ، فهو أمر يعني أننا مجتمع يحتاج لمن يلقنه دروس الحياة فليس بين البشر أنبياء يتلقون الوحي ، وإنما هم يجتهدون في قيادة سفينة تمخر عباب بحر متلاطم الأمواج ويحتاجون من ركاب السفينة المساندة من أجل ضمان الوصول إلى بر الامان !