الأخبار
محمد فهمى
روشتة .. الدكتور بطرس غالي
الأمر الذي توصل فيه الطرفان إلي طريقة جديدة للتعامل.. وهي اليورانيوم مقابل المخدرات


في وداع الدكتور بطرس غالي.. أشارت الزميلة مها عبدالفتاح في يومياتها يوم الثلاثاء الماضي.. لسلسلة طويلة من السمات التي تميز بها الراحل العظيم.. والتي يتعين علينا ان نستعيدها ونتأملها ونقتدي بها.. ونحن نعبر مرحلة الاصلاح.. التي تقتضي ترشيد الوظائف العليا.. وخفض الانفاق العام.. واصلاح جهازنا الإداري الذي ترهل.. وتضخم خلال عقود طويلة.. واصبحنا في أمس الحاجة للاهتداء.. بتجربة الدكتور بطرس غالي.. التي تلقي الأضواء علي العديد من الأمراض التي نواجهها.. والتي تعد بمثابة «الروشتة»، التي تركها قبل ان يرحل!

تقول الزميلة مها عبدالفتاح.. ان المهمة الأولي التي قام بها الدكتور بطرس غالي بعد شغله منصب الأمين العام للأمم المتحدة كانت اصلاح الجهاز الإداري للمنظمة الدولية.. لانه رأي أن الأمم المتحدة لن تستطيع القيام بالدور المنوط بها.. الا بعد قصقصة اجنحة البيروقراطية التي طالت وتوغلت وفرشت اجنحتها فاعاقت انطلاق الأمانة العامة للأمم المتحدة وتحولت مع مرور السنين والعقود إلي اخطبوط هائل.. يمد رجليه ولا يتحرك.

كانت الأمانة العامة للأمم المتحدة تضم ٢٨ أمينا مساعدا.. يرفع كل منهم تقريره إلي الأمين العام.. ويشغل منصب الأمين العام المساعد.. واستطاع الدكتور بطرس غالي ان يعيد تنظيم الأمور.. بتقسيم العمل لثمانية أقسام لكل منها مساعد.. أي انه اختصر العدد من ٢٨ مساعدا إلي ثمانية فقط.. واضافة إليهم اثنين بدرجة أمين عام احدهما للمقر الاوروبي في جنيف والاخر في فيينا عاصمة النمسا.

وبالتالي تضمنت روشتة الدكتور بطرس غالي أهم أدوية الأمراض التي استوطنت الأمم المتحدة وهي الاصلاح الإداري وإعادة ترتيب أوضاع المنظمة الدولية.. كي تواكب الزمن.. في ضوء ما كان يراه مناسبا لعصر ما بعد الحرب الباردة.. وما توقعه من حدوث تحول في العلاقات الدولية تتطلب إدارة شئون العالم بأدوات جديدة متطورة.. تواكب التحولات التي لم يكن مجرد تصدرها في ظل صراعات الحرب الباردة.

ومعني الكلام.. ان الجهاز الإداري.. الذي قام منذ ٥٠ سنة وادي ما عليه من واجبات ومسئوليات.. في ظل اوضاع اجتماعية واقتصادية.. معينة لمدة طويلة.. يجب ان يعاد النظر في هياكله الوظيفية بما يتمشي مع مقتضيات كل حقبة.. وكل مرحلة.. وكل مخترعات حديثة.. وبالتالي يصبح التغيير وتجديد الدماء من أهم سمات الإدارة الناجحة.

المشكلة عندنا.. انه لم يطرأ أي تعديل علي قوانين الوظائف في بلدنا علي مر العصور والعقود.. وبات الموظف يتقلب وفق القوانين السائدة بين مختلف الدرجات الوظيفية حتي تحولت كل وزارة إلي جمعية خيرية وتكوست كل وزارة بجيوش جرارة من مختلف درجات الوظائف.. وضربت ميزانية المرتبات أرقاما قياسية.. وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي علي حق عندما قال في كلمة المصارحة التي وجهها للجماهير الغفيرة منذ أيام ان في مصر الآن سبعة ملايين موظف في الوقت الذي لا يحتاج فيه جهازنا الإداري للدولة سوي مليون موظف.. وانه بعد ثورة ٢٥ يناير ارتفعت الموازنة الخاصة بالاجور من ٧٠مليارا إلي ٢٠٠ مليار جنيه.. وهي ارقام تدعو للتأمل ونحن نخوض معارك الاصلاح الإداري الذي يسمح بانجاز المشروعات الكبري.. في كافة المجالات وفي مقدمتها الخدمات المقدمة للمواطنين في مجالات الطاقة.. وتوفير المياه والارتفاع بمستوي المواصلات العامة والتعليم.. إلخ.

تبقي بعد ذلك القضية التي جاءت في روشتة الدكتور بطرس غالي.. والتي اشار إليها الرئيس عبدالفتاح السيسي في كلمته.. وهي قضية الرؤية المستقبلية.. للمشاكل قبل ان تتفاقم وتتحول لامراض مستوطنة تهدد الأمن والسلام.. ولهذا حكاية تستحق الرواية.

كان الراحل بطرس غالي يتمتع بهذه الرؤية المستقبلية.. بشكل لافت للانتباه.. واذكر الآن انه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.. كان بطرس غالي اول من اشار إلي قضية احتمالات تهريب اليورانيوم من المفاعلات النووية السوفيتية المنتشرة في ربوع الاتحاد السوفيتي وانتقاله لدول لم توقع علي الاتفاقات الدولية الخاصة بحظر إنتاج الأسلحة النووية أو إلي عصابات إرهابية.. تسعي للحصول علي اليورانيوم الذي يجري تهريب من المفاعلات التي خرجت عن سلطان الدولة.

في هذا الوقت المبكر قام الدكتور بطرس غالي بتكليف أحد مساعديه وهو جاك آتالي.. مدير بنك التعمير الأوروبي الأسبق.. والذي كان يشغل منصب المستشار الاقتصادي للرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران ببحث هذه القضية.. واحتمالات انتقال اليورانيوم لاياد لا تخضع للقوانين الدولية المتعارف عليها فاكتشف الرجل. ما لا يمكن ان يتصوره العقل من العجب العجاب.

اكتشف أتالي علي سبيل المثال.. ان الطلب علي المخدرات في الاتحاد السوفيتي وكافة دول الكتلة الشرقية قد ارتفع بشكل غير مسبوق.. في الوقت الذي واجهت فيه عصابات المخدرات مشكلة توفير الأموال السائلة لدفع قيمة المخدرات.. الأمر الذي توصل فيه الطرفان إلي طريقة جديدة للتعامل.. وهي اليورانيوم مقابل المخدرات!

وأكد التقرير الذي اعده آتالي ان في السوق السوداء في تلك الأيام ١٣٠٠ طن من البلوتونيوم.. كانت في حوزة الاتحاد السوفيتي السابق.. واصبحت لدي عصابات تهريب المخدرات و٢٠ دولة من اكثر دول العالم فقرا.

وان عصابات تهريب اليورانيوم والبلوتونيوم تستخدم عددا من العلماء السوفيت.. في تأمين انتقال هذه المواد المشعة.. وان علي وجه الكرة الأرضية نصف مليون عالم سوفيتي يبحثون عن عمل بما يعني ان عنصر المادة المشعة.. وعنصر الخبرة والتقنية متوافران في الأسواق.

وعلي الرغم من أن جمهورية روسيا البيضاء.. كانت اول دولة في دول الاتحاد السوفيتي السابق توقع علي اتفاقية منع الانتشار النووي الا انها.. تحولت إلي منطقة الترانزيت لعبور المواد المشعة من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.. عبر وسطاء من رومانيا للعالم الخارجي.

كما كشفت التقرير الذي رفعه آتالي إلي بطرس غالي أن عصابات التهريب تستعين بعدد من العلماء السوفيت للتأمين افراد عصابات التهريب من مخاطر الاشعاع بعد ان لقي عدد كبير من اذاء هذه العصابات حتفه بسبب الجهل بالطريقة الصحيحة للتعامل مع هذه البضاعة العجيبة.

المهم ان تقرير جاك آتالي اثار ايامها ضجة كبري.. لم يكن يتوقعها أحد.. وكان الفضل في النهاية لبطرس غالي صاحب الرؤية بعيدة المدي.. الذي نتذكره هذه الأيام.. ونحن نتناول استعادة ما سجله تاريخه من روشتات.. كانت سابقة لعصره وأوانه .. وسوف يضعها التاريخ في سجل حسناته بإذن الله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف