سليمان جودة
على إيران أن تسعف شيخ الأزهر!
شىء مدهش، أن يصادف الكلام الذى صرح به الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، خلال زيارته إلى إندونيسيا الأسبوع الماضى، استغرابًا واستنكارًا، لدى عدد من الذين تابعوا الزيارة من القاهرة.
لقد لمست الاستغراب مرة، والاستنكار مرة، ولم أفهمهما فى الحالتين، لأن ما قال به الإمام الأكبر، هو ما يجب أن يقوله رجل فى مكانه، ثم يذهب ليعمل به، من أقصر طريق، وطول الوقت!
مما قاله شيخ الأزهر خلال الزيارة، أن الأزهر لا يمكنه تكفير الشيعة، ولكن هناك عددًا منهم، لا يزالون يسبون الصحابة ويعطون الرسالة لغير سيدنا محمد، وأن التكفير لا يكون، إلا لمن ينكر معلومًا من الدين بالضرورة.. وكان مما قاله أيضًا، إن تجربة مجلس علماء إندونيسيا تستحق التحية، لأنه مجلس استطاع أن يجمع المذاهب كلها، فى إطار واحد، وأنه نجح فى عملية الجمع هذه، لأن البديل هو التفرقة.
فى السياق نفسه، قال رئيس إندونيسيا، وهو يستقبل شيخ الأزهر، أن المشيخة هى حصن هذه الأمة، وأنهم فى إندونيسيا، وفى سائر العالم الإسلامى، يراهنون على علماء الأزهر، وعلى قدرتهم على مقاومة التطرف، وتوعية الناس بمخاطره.
هذا كلام عاقل، سواء كان من شيخ الأزهر أو من رئيس إندونيسيا، ولا ينقصه إلا أن نراه، من جانب الأزهر، مطبقًا على الأرض، وأن نراه حيًا بين الناس.
لقد كان هناك، على مدى فترة ليست قصيرة مضت، من يحاول استعداء الأزهر، ضد الشيعة، وكأنهم غير مسلمين، وكان رأيى دائمًا، أننا لابد أن نكون على وعى كامل، بأن هؤلاء الذين يحاولون استعداء الأزهر، فى هذا الاتجاه، هم أنفسهم الذين يزينون لنا، ترديد حكاية عن الشيعة هنا مرة، وعن السُنة، هناك مرة، بهدف خلق فجوة بين الفريقين، مع أنهما فى تقديرى، ليسا فريقين، وإنما فريق واحد، لأن ربهما واحد، وكتابهما السماوى واحد، ورسولهما واحد، فأين الخلاف إذن، وما المبرر الذى يجعلهما فى مواجهة؟!.. ثم منذ متى كنا نقول هذا سُنى، وهذا شيعى.. منذ متى؟!
إن كثيرين من المصريين، وأكاد أقول جميع المصريين، لا يفهمون حكاية سُنة وشيعة هذه، ولا يعرفون أصلًا، معنى أن يكون المسلم سنيًا، ثم معنى أن يكون شيعيًا، لأنهم مدركون أنهم مسلمون، وفقط، وإذا سألت أى مصرى عما إذا كان من هؤلاء، أو أولئك، فسوف يستغرب السؤال جدًا، وسوف لا يجد له معنى، وسوف لا يجد له محلًا من الإعراب.
وليست نكتة، بل هى حقيقة، أن مصريين كثيرين، ممن كانوا يذهبون للعمل فى بعض دول الخليج، كانوا يجدون أن المطلوب منهم، أن يذكروا فى أوراقهم، ما إذا كانوا من هذا الفريق أو ذاك، وكانوا يسألون عن المعنى، أو عن المقصود، لأن تلك كانت المرة الأولى، التى يجد الواحد منهم، أنه مطلوب منه، أن يجيب عن سؤال لم يسمع به فى حياته!
ولأن هذه هى مصر، ولأن الأزهر يمارس مهمته من فوق أرضها، فإن عليه أن يؤدى هذه المهمة، بتلك الروح نفسها.. أقصد الروح التى يستنكر فيها أى مصرى، أن يسأله أحد، عما إذا كان فى صف هؤلاء، أو أولئك، ثم يستنكر كذلك، أن نروج، دون أن ندرى، للذين يريدون لنا، أن نتحدث عن سُنة، هنا، وعن شيعة هناك، بقصد شق صف هذه الأمة، وليس بأى قصد آخر.
وهنا، فإن إيران تقع عليها مسئولية كبيرة، فى هذا الشأن، ولن تنهض بمسئوليتها كما يتعين أن تنهض بها، إلا إذا توقفت عن توظيف هذا الملف سياسيًا، وإلا إذا أقلعت عن الخلط فيه، بين الدين، وبين السياسة، لتحقيق أطماع مكشوفة، فى دول مجاورة لها، أو حتى غير مجاورة.
وإذا كنا نطالب شيخ الأزهر، بأن يظل يعمل حين يعود من إندونيسيا، بالروح التى تكلم بها هناك، وهى الروح التى تجمع بين فصائل أمة واحدة، ولا تفرق بينها، فلابد أن على إيران أن تسعفه، وأن تساعده، وأن تكف تمامًا عن الترويج لكلمة «شيعة» فى مقابل كلمة «سُنة»، وأن تدرك أن الذين ينفخون فى ترويج الكلمتين من وراءها، يريدون النيل منهما معًا، وبالدرجة نفسها!