الأهرام
ليلى تكلا
الخدمة المدنية
للإدارة مجالات وفروع وعناصر، وللعملية الإدارية مقوماتها، سبق أن تناولناها فى مقالات سابقة. وقواعد الخدمة المدنية أحد فروع الادارة العامة التى تهدف لتنفيذ السياسات العامة للدولة و«إدارة الأفراد» تنظم حقوق وواجبات وعلاقات العاملين بالدولة بعد أن اتسعت مسئولياتها ولم تعد تقتصر على حفظ الأمن الداخلى وحماية الحدود ودخلت فى مجالات الخدمة المدنية والتنمية والانتاج.

والاهتمام باختيار القائمين على تنفيذ السياسة العامة وإن كان زاد خلال السنوات الأخيرة فجاءت أجهزة الخدمة المدنية كتعبيرعن هذا الاهتمام إلا أنه موضوع شغل المفكرين والساسة منذ قرون بعيدة. فى اليونان قديماً اتبع أهل أثينا نظاماً خاصاً ظنوا أنه يكفل لهم العدالة ويتلاءم مع منهجهم فى أن يحكم الشعب نفسه، فكانت أغلب الوظائف توزع بالقرعة. حتى فكرة الاختيار التى تعتبر من مستحدثات العصور الحديثة وجدت تطبيقاتها فى بعض المجتمعات القديمة. أصدر الإمبراطور «هان» سنة 196 ق.م أمراً يحتم على حكام الولايات اختيار الموظفين العمومين على أساس اختبار كفاءتهم وحتى فى الحالات التى اقتصرت فيها الوظيفة العامة على طبقة النبلاء ظهرت محاولات عدة لرفع كفاءة هؤلاء وزيادة مسئوليات الأكفاء منهم. أنشأ بطرس الأكبر فى 1917 مدارس للإدارة يتلقى فيها نبلاء موسكو الدراسة على أيدى أسرى الحرب من السويديين الذين كانوا يلقون محاضراتهم فى الإدارة وأيديهم مكبلة بالأغلال!. مع بداية العصور الوسطى ظهرت الإدارة بصورتها الحالية. عندما زادت حاجة الملوك والحكام إلى جهاز إدارى متعدد الاختصاصات واسع السلطات كان من الطبيعى أن يلجأ هؤلاء أول الأمر إلى الاستعانة بمن حولهم من الأقارب والمحاسيب والأنصار السياسيين وهو النظام الذى عرف فيما بعد باسم الإدارة بالأقارب والمحاسيب أو «النظام الفاسد».

ثم تضافرت عوامل وضغوط متفاوتة الأثر على إظهار فساد هذا النظام وحتمية تغيير أسس الاختيار، منها الثورات الفكرية والفلسفة السياسية للمفكرين والفلاسفة أمثال روسو وبنتام ، التى نقلت مصدر السلطة من الحكام إلى الشعوب التى عليها أن تشترك فى تنفيذ السياسات العامة، ومنها التغييرات الهائلة التى أحدثها انتشار التعليم، ومنها الضغوط الهائلة التى خلفتها الثورة الصناعية وأتت بها حركة التصنيع وطالب أصحاب الأعمال الحكومات بالإرتقاء بمستوى الأداء الحكومى ليس حباً خالصاً فى المنفعة العامة ولكن لوجود علاقة قوية وطيدة مستمرة بين مستوى العاملين بالحكومة ونجاح مشروعاتهم. ومنها أهمها اتساع نطاق العمل الحكومى ودخول الدولة فى مجالات فنية تحتاج لذوى الكفاءة والتخصص.

تطورت إدارة الأفراد وظهرت أجهزة الخدمة المدنية كان أولها إنجلترا 1852 ثم فرنسا 1882 ثم الولايات المتحدة 1883. مصر تأخرت وأنشئ ديوان الموظفين 1952 هذه الأجهزة تقوم على أسس أهمها الانتقال إلى نظام الصلاحية merit system وأساسه الربط بين مؤهلات الشخص وقدراته ومسئوليات الوظيفة ومتطلباتها. ومقوماته ثلاثة اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب بالأجر المناسب والمواءمة بين متطلبات العمل وعدد الأشخاص للحد من مشكلة فائض العمالة أو الانفجار الوظيفى التى تهدد الأجهزة الإدارية خاصة فى العالم الثالث وهدفها إما كسب رضاء الشعوب أو بسبب الأفكار الاشتراكية وسياسة تعيين الخريجين بالجملة.

وأتذكر هنا أحد كبار خبراء الإدارة دولياً فى الإصلاح الإدارى قام بدراسات شاملة وافية لإدارة الدولة فى مصر. أدرك خطورة العمالة الزائدة واستحالة التخلص منهم لأسباب سياسية واجتماعية. ذكر اقتراحاً يجمع بين الجدية والطرافة هو إنشاء وزارة باسم «وزارة الفائضين» ينقل إليها بعد التوصيف والتصنيف من لا يعملون، تدفع لهم المهايا والأجور لكنهم لا يعرقلون عمل الآخرين!.

من بين القضايا الكثيرة التى تثيرها الخدمة المدنية نشير إلى خمسة اعتبارات:

الأول: عناصر إدارة الأفراد: تشمل الإعلان والاختيار والتعيين والترقية، المرتبات والعلاوات والبدلات والحوافز، الترقية والتدريب، النقل والندب والإعارة والبعثات، تقارير الكفاءة، علاقات العمل، انتهاء الخدمة. وقبل كل ذلك يكون توصيف الوظائف لتحديد مسئولياتها والكفاءات والقدرات المطلوبة لإنجازها ثم تصنيفها فى تسلسل متدرج على اساس الواجبات والصعوبات ويحدد تبعاً لذلك مرتب الموظف الذى يشغلها.

الثانى: أطراف نظام الخدمة المدنية ثلاثة: الحكومة ـ الموظف ـ المواطن ومن أسس نجاح الإصلاح الإدارى عدم التحيز لطرف على حساب غيره قد يبدو أن مصالحهم تختلف لكن هذا غير صحيح، تحقيق مصالح أحدهم فيه مصلحة الأطراف الأخرى وعلينا الحذر من تقسيم الموقف إلى فرق ومعسكرات مختلفة تواجه بعضها البعض فلا تستخدم الحكومة الوظائف لكسب الأنصار ولا يستخدمها الموظفون من أجل لوى ذراع الحكومة ويدرك الشعب ضرورة الانضباط والالتزام بالمساواة ودوره فى المساهمة فى نجاح عمل الحكومة.

الثالث: القانون وحده لا يكفى فقد نصت المادة الثامنة من القانون 47 لسنة 1978«تضع كل وحدة هيكلاً تنظيمياً لها.. وتضع كل وحدة جدولاً للوظائف مرفقاً به بطاقات وصف كل وظيفة وتحديد واجباتها ومسئولياتها والاشتراطات اللازم توافرها فيمن يشغلها وتصنيفها وترتيبها فى إحدى المجموعات النوعية وتقييمها بإحدى الدرجات»،. لكنها لم تطبق رغم محاولات الإصلاح لأسباب قد يكون لها حديث آخر.

الرابع: القرار بقانون الذى قدم للمجلس لم يكن سيئاً لدرجة رفضه فى إطار ذلك «المهرجان». كان من الممكن الموافقة عليه «من حيث المبدأ» ثم مناقشة المواد لتعديلها ولن نناقشه هنا أو نقدم البدائل هذه مسئولية «برلمان الظل» الذى لم يتشكل بعد.

الخامس: يبقى أن نؤكد أن الإدارة لا تعيش فى فراغ وقدرتها على تحقيق الأهداف ترتبط جذرياً بكل مقومات المجتمع من تعليم وصحة وخدمات وتنميةمع تقدم المجتمع وأيضا من أخلاق وثقافة.

قصدنا بذلك السرد توضيح ماهية الخدمة المدنية وتطورها واكتفينا هنا ببيان بعض الأسس والأصول العلمية التى تقوم عليها حتى تأتى القوانين التى تنظمها مستندة إلى الموضوعية والأصول العلمية. بعيداً عن المزايدات أو محاولة كسب الأنصار سياسياً أو ممارسة حق التصدى للحكومة.. أو تعطيل أعمالها.. والثقة كبيرة فى برلمان مصر ونوابه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف