مرسى عطا الله
هيكل.. سابقا لعصره وزمانه!
استكمالا لما نشرته أمس عن كلمتى المتواضعة فى حفل الأهرام لتأبين الأستاذ هيكل وسط مشاعر فياضة من الحضور الكرام وبما يليق بجلال المناسبة ورهبتها يجيء الجزء الثانى من كلمتى حول جانب بالغ الأهمية فى ثقافة الأستاذ التى كان يسعى دائما لنقلها إلى تلاميذه وأنا واحد منهم.
والحقيقة أننى كنت محظوظا عندما كنت فى الأيام الحاسمة قبل وأثناء حرب أكتوبر بمثابة همزة الوصل بين الأستاذ والقيادة العسكرية سواء بالنسبة لملف الخداع قبل الحرب أو ببعض المعلومات التى كانت القيادة العسكرية ترى أن الأستاذ هو خير من يضعها فى المكان الصحيح وفى التوقيت الصحيح لخدمة المجهود الحربى والدولة المصرية.
وعذرا إذا كنت قد أطلت ولكننى أستسمحكم فى دقيقتين إضافيتين حول الدرس الأهم الذى تعلمته منه مباشرة حول ضرورة الاهتمام بقراءة الشعر العربى القديم كمدخل لتقوية البلاغة والفصاحة لمن يريد أن يجمع بين الصحافة والكتابة... وأنقل لكم من كراستى التى كنت أدون فيها ما يجود به الأستاذ من مخزون ذاكرته عن الشعر العربى القديم.. أنقل لكم بعضا من أبيات ربما تليق بالمناسبة وجلالها.
عن الأستاذ قالوا فى الشعر القديم قبل مولده بآلاف السنين:
إذا قال لم يترك مقالا لقائل.. بملتقطات لا ترى بعينها فصلا
إذا قال لم يترك مقالا ولم يقف.. كجحفلّ فى سواد الليل جرار
كأن المعانى فى فصاحة لفظها.. نجوم الثريا أو خلائقك الزهر
تفكّره علم ومنطقه حكم.. وباطنه دين وظاهره ظرف
وقيل عنه شعرا قديما قبل أن يرى الدنيا:
يمشى الكرام على أثار غيرهم.. وأنت تخلق ما يأتى و تبتدع
من كان فوق محل الشك موضعه.. فليس يرفعه شيء ولا يضع
لقد تنبأ القدماء من الشعراء بقدوم الأستاذ بعد حين من الزمان فقالوا:
ولو خلق الناس من دهرهم لكانوا.. الظلام وكنت النهارا
كريم الأصل كالغصن كلما.. تحمّل أثمارا تواضع وانحني
أحكم الناس فى الحياة أناس.. عللوها فأحسنوا التعليلا
فتمتع بالصبح ما دمت فيه.. لا تخف أن يزول حتى يزولا
بل إن قدماء الشعراء العرب كتبوا رثاءه قبل آلاف السنين:
أنت للأرض أولا وأخيرا.. كنت ملكا أو كنت عبدا فقيرا
لا خلود تحت السماء لحى.. فلماذا تراود المستحيلا!
رحم الله مارد الصحافة وعملاق السياسة الذى كان سابقا لعصره وأوانه.