قرأت رواية الأديب الشاب أحمد ناجى المعنونة بـ«استخدام الحياة»، وهى فنيا رواية جيدة، الراوي فيها له حضوره الطاغي، يروى الأحداث ويعلق عليها باسهاب، لغة السرد فيها واحدة، لا توجد فروق فى لغة ولهجة الشخصيات، الجميع يتحدث من قاموس واحد، واستخدام الحياة ليست مميزة في التقنية أو لغة السرد أو حتى في الفكرة أو الشريحة التي تتناولها وتعبر عنها، فأغلب كتابات جيل ناجى متشابه، قد تختلف الأفكار لكنها فى النهاية ترى الحياة من نافذة واحدة، عندما تقرأ لأحدهم تستشرف عالمه وبيئته والأماكن التي يرتادها، إضافة إلى قاموسه.
والحقيقة أن عالم ناجى وزملائه يثير تساءل يجبرنا جميعا على مناقشته، وهو: ما هو حدود المبدع؟، وما هو سقف حريته؟، هل له أن يشتط بخياله وبلغته وبسلوكيات أشخاصه؟، هل نحن مطالبون بأن نساوى بين الخيال المكتوب وبين الخيال المحبوس فى المخيلة؟، هل خيال المبدع لا يجب أن يخضع لعقيدة أو عادات أو أعراف؟، هل الخيال لا يكون إبداعا سوى عندما يعبر عن أحط الشخصيات؟، هل لن يكون إبداعا إلا باستخدامه أقذر القواميس؟.
الذي تعلمناه خلال دراستنا للفلسفة أن الحرية ليست مطلقة، وجان بول سارتر قال حدها الآخر، والآخر كما نفهمه ليس الإنسان الذى يقابلني فى الطريق كشخص أو كجسد، بل الآخر بما يمثله من بيئة وثقافة وعادات ومعتقد وقانون، فالآخر هو المجتمع الذى نعيش فيه وليس الفرد المجاور لى فى الطريق.
وقد حاول سارتر فى مسرحية الذباب أن يهدم بعض العادات والتقاليد، صنع بطله خارج مدينة، وسلحه بالثقافة والمنطق وبجميع الأدوات التى تعينه على قتل الله، حاول مع شقيقته ان تبتعد عن الطقوس المرتبطة بالله، شوه فيها، واستطاع بمهارته وثقافته أن يخدرها، إلى أن جاءت المواجهة الحقيقية، أفاقت شقيقته وتمسكت بعادات وتقاليد بلدها وعقيدتها، وشعر سارتر بالهزيمة، فقد تأكد أن حدود حريته العادات والتقاليد والثقافة والمعتقد، وأنه له أن يتخيل ويحلم لكن ليس كل ما يتخيله ويعتقده يمكن نقله من الذهن إلى الواقع، لهذا دفع ببطل الذباب إلى ترك البلدة معترفا بوجود الله: أنت الله وأنا حر».
بعض من قرأت لهم من جيل أحمد ناجى ينقلون كل ما يتخيلوه إلى الواقع، كان متوافقا مع الواقع أو مخالفا له، والملفت أن مخيلتهم رهينة لورق التواليت، الأشخاص معظمها شواذ فكريا وجنسيا، والقاموس منحط وسافل، يعتقدون أن عالم التواليت هو الواقع، وأنهم بتصوير هذه الشريحة يعبرون عن الواقع كما، لأنه من الصعب ان تعبر عن هذه البيئة والشخوص المريضة بقاموس ليس قاموسهم.
بالطبع نحن ضد حبس المبدع، ولا نوافق أبدا على الزج بأحد إلى السجون لأنه إنحرف عن العادات والقوانين والمعتقد، لكننا أيضا لسنا مع أوراق التواليت وعالمها المريض وقاموسها المنحط، لهذا علينا أن نفكر بشكل جاد: هل كل ما نتخيله يمكن نقله للواقع؟، وهل التعبير عن عالم التواليت يلزمنا بقاموسه؟، وهل سيظل عالم التواليت هو المتسيد على كتابات أغلب أو بعض الشباب؟، وهل يتوقع أن يعيش عالم التواليت لفترة كبيرة؟، وكيف سيتناوله مؤرخي الأدب؟، وما هو توصيفهم له؟.