أنور عبد اللطيف
نكتة هيكل.. وحكمة السادات!
بقدر ما أشعرتنى وثائق الأستاذ عاطف الغمرى بحجم الخطر المحيط بالدولة المصرية بقدر ما جعلتنى أتساءل: هل مانحن فيه من ارتباك بسبب صدق الرئيس، أم أننا فى حاجة الآن للتعامل مع المؤامرات الخارجية بطريقة سائق الرئيس السادات؟
ففى كتاب خطير صدر منذ أيام للكاتب الصحفى تحت عنوان «المؤامرة الكبرى من وثائق المخابرات الأمريكية والموساد وداعش»، أجاب فيه على السر الذى يجعلنا كلما تقدمنا خطوة فى «خريطة الطريق» نحو البناء والتنمية وتطبيع علاقاتنا مع العصر، يتم اختراع حدث يشتت انتباهنا ويهز ثقتنا فى أنفسنا وقدراتنا ويجعلنا مرتبكين فى خطواتنا، تأملوا المشاهد الإعلامية التى قدمتنا للعالم خلال الأسبوع الأخير فقط، ـ ناهيك عما حدث منذ ٣٠ يونيو ـ بدأت بالسجادة الحمراء التى الهتنا عن حجم المشروعات السكنية التى افتتحها الرئيس، ثم كوبرى سوهاج الذى «لخمنا» عن رؤية شبكة الطرق، ثم لغز الشاب الإيطالى التى «نشطنا» به السياحة، ثم فتنة «نسوان الصعيد» التى اخترعها مجنون من خياله، وجعلها محور الفتنة الجغرافية القادمة، ثم الهجمة على أمناء الشرطة وكأن سلبيات الأطباء والمعلمين والمدرسين والصحفيين مسموح بها، وآخيرا مهزلة «الجزمة مقابل التطبيع» التى فجرها حضرة النائب المطبع دون أن يجد لائحة تردعه وتضبط سلوكه، فلا هو له الحق فى الخروج على ثوابت الوطن ولا حضرة «النائب المخضرم» أنقذ سمعة مصر وهو يهدى للمتآمرين أبشع صور الممارسة الديموقراطية لبرلمان «25/30» .. وكأن بيننا أجهزة شيطانية تحرص على إهداء صورة مشوهة ومناقضة لما يحاول أن يؤكدها الرئيس فى طوكيو للعالم، ففى نفس الوقت الذى كان يخطب فيه أمام البرلمان اليابانى ليقدم تحية شعب مصر الذى يشبههم فى العراقة والتاريخ وعانى مثلهم ويلات المؤامرات الخارجية على هويته وكرامته الوطنية، ويقول لهم نحن مثلكم لدينا العزيمة والرغبة لربط البطون والإستعداد للبناء والتضحية وتحمل المشاق لتقديم الإسهام المصرى فى الحضارة الإنسانية، ونرحب بضيوفنا اليابانيين الذين تغنى بأدبهم ودأبهم شعراؤنا الكبار شوقى وحافظ، وأن ديننا الحقيقى يختلف تماما عما تروجه وسائل الإعلام الغربية وتؤكده ممارسات أمراء الفتنة والحرب والمتطرفين والدواعش،لأنه يأمرنا بأن «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا»، وهو خطاب عصرى مدروس لا تخفى أهميته على أى لبيب، فماذا قدمنا للرئيس من دعم خلال جولته الخارجية؟ وإذا ما فتح الإعلاميون والمواطنون والمستثمرون اليابانيون فضائياتهم ليتفرجوا علينا بمبدأ «تكلم حتى أراك» فماذا سيشاهدون، أولا يشاهدون عصابات على الفيسبوك تتهكم على دعوة الرئيس لـ «التصبيح على مصر» وهو جوهر الدعوة للعمل الأهلى والتطوعى الذى بنى اليابان، وبنى مصر قبلها بمشروع «القرش» وبدلا من أن نتلقف الدعوة لإثبات جديتنا فى البناء كما فعل اليابانيون الذين سبقونا إلى التقشف وربطوا حجرا على بطونهم و«صبح» كل يابانى على بلده بوجبتين واكتفى بوجبة واحدة من الأعشاب والطحالب من صنع أيديهم، وانهمك هذا الشعب فى العمل وتقديس اللغة والمنتج الوطنى مما اضطر رئيس وزراء اليابان ان يرجو من شعبه شراء منتجات الدول الأخرى فى سابقة لم تحدث فى العالم وصار العمل طبيعة جينية يولد بها الأطفال ويعالج من إدمانه الشيوخفما علاقة هذه الصورة العبثية بوثائق عاطف الغمرى؟
الكاتب صحفى من طراز رفيع، وهو من أفضل خبراء العلاقات الخارجية والأمن القومى، وخبير بدهاليز صناعة القرار في الولايات المتحدة، وعندما يقطع بالشهادات والوثائق بوجود مؤامرة أمريكية بأذرع دولية أدواتها الإخوان المسلمين وداعش هدفهم جميعا زرع الفوضى والحد من اتساع دائرة تأثير مصر خارج حدودها، ووأد أى محاولة لإعادة إعمارها، لأنهم ومنظريهم اكتشفوا أن حدود تأثير الدولة فى محيطها يبدأ من قدرتها على تطبيق نظرية بناء اقتصاد قوى بموارد وأصول ذاتية، ومنع الدعوة لبناء اقتصاد يستنفر الهمم الكامنة فى المصريين وإعاقة تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء ومن القمح بصفة خاصة لأنها تتعارض مع رغبة أمريكية تاريخية فى أن يظل ٩٩٪ من حلول مشاكل مصر فى يد أمريكا وعملائها والشركات المتعددة الجنسية،
أتذكر الآن مشروع إعادة بناء القرية المصرية الذى نفذته بالفعل الدكتورة زينب الديب منذ عشرين سنة فى قرى بحلايب وشلاتين وسيناء والمنوفية وأسوان كان جوهره إحياء مشروع العملاق حسن فتحى فى استغلال موارد البيئة وتحقيق الإكتفاء الذاتى من القمح، أين ذهب هذا المشروع الذى افتتح بعض فروعه وشاهدها رأى العين وزير الدفاع الراحل يوسف صبرى أبو طالب والدكتور آحمد جويلى، الإجابة وجدتهاعند عاطف الغمرى، فالمؤامرة علينا لم تعد تقتصر على تدبير الاغتيالات والانقلابات وإشعال معارك وهمية وحروب أهلية إذا تعذر إشعال الفوضى والفتنة الداخلية وجر جيش مصر إلى ملعب خارجى، مع الاستمرار فى تغذية جماعات دينية مسلحة لإنهاك الشرطة والجيش، والاعلام لزعزعة ثقة الشعب فى قياداته !
فما هو الحل إذن؟ فى نظرى حل من شقين، الأول تشريعى: إذ لابد أن نزرع الثقة فى النفس ونغرس قيم العمل بقوة القانون، حتى يصبح الإلتزام بالواجب عادة والعمل عبادة والتضحية مبدأ، والثانى نصيحة للرئيس من وحى هذه النكتة التى حكاها لى الأستاذ هيكل، أن الرئيس السادات كان يوهم ويضلل خصومه بأنه سيفعل شيئا ثم فجأة ينفذ عكسه، ففى اليوم الأول من توليه الحكم مشى فى طريق الرئيس عبد الناصر وركب نفس سيارة عبد الناصر وقادها نفس السائق وفى الطريق للقصر الجمهورى توقف السائق وسأله أين نتجه؟ فقال له السادات ماذا كان يفعل الرئيس عبد الناصر؟ فقال له كان يتجه جهة اليسار، فقال له الرئيس السادات: إذن إعط إشارة يسار وادخل يمين!